للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد سبق أن ذكرنا في أخبار مملكتي إشبيلية وبطليوس، ما انتهى إليه أمراء الطوائف. عقب استيلاء ألفونسو السادس ملك قشتالة على طليطلة ومملكة بني ذى النون في سنة ٤٧٨ هـ. وتهديده لهم جميعاً بالويل والفناء، من وجوب الاستنصار بإخوانهم في عدوة المغرب، وإرسالهم بصريخهم المتوالي إلى يوسف بن تاشفين، لينهض إلى نجدتهم وإغاثتهم. وقد اختلفت الرواية في تفصيل مقدمات هذا الصريخ وظروفه. والقول المشهور في ذلك، هو أن سقوط طليطلة، كان هو العامل الجوهري، الذي حمل ملوك الطوائف، على أن يتجهوا إلى الاستنصار بالمرابطين. بيد أن هناك ما يحمل على الاعتقاد بأن هذا الاتجاه يرجع إلى ما قبل سقوط طليطلة بعامين أو ثلاثة، فقد سقطت طليطلة في يد ملك قشتالة في صفر سنة ٤٧٨ هـ (مايو ١٠٨٥ م)، ولكنا نجد صريخ الأندلس يتوالى على بلاط مراكش منذ سنة ٤٧٤ هـ، فقد وفد في ذلك العام على يوسف جماعة من أهل الأندلس، وشكوا إليه ماحل بهم من عدوان النصارى، وطلبوا إليه النجدة والعون، فوعدهم بتحقيق أمنيتهم (١). ثم توالى صريخهم بعد ذلك. ويحدثنا يوسف بن تاشفين نفسه عما تلقاه من صريخ الأندلس المتوالي في رسالته التي بعث بها عقب موقعة الزلاقة إلى المعز بن باديس أمير إفريقية، فيقول: " ولما بلغنا من استحواز النصارى، - دمرهم الله - على بلاد الأندلس ومعاقلها، والتزام الجزية لرؤسائها، واستيصال أقالمها، وإيطايهم البلاد داراً داراً، لا يتخوفون عسكراً يخرج إليهم، فيبدد جمعهم، ويفل حدهم، وهم مع ذلك كله يقتلون الشيب والشبان، ويأسرون النساء والصبيان، فخوطبنا عن الجواز إلى الأندلس من جميع الأحواز المرة بعد المرة، وألوتنا الأعذار إلى وقت الأقدار " (٢). ويؤيد ابن خلدون هذه الرواية، ويوردها بصورة أخرى، فيقول لنا إن المعتمد بن عباد خاطب أمير المسلمين يوسف، ملتمساً إنجاز وعده في إنجاد الإسلام في الأندلس، وكاتبه أهل الأندلس كافة من العلماء والخاصة، فاهتز أمير المسلمين للجهاد، وبعث ابنه المعز في عساكر المرابطين إلى سبتة فنازلها براً، وطافت بها سفن ابن عباد بحراً، ثم اقتحموها عنوة في ربيع الآخر


(١) الحلل الموشية ص ٢٠.
(٢) راجع رسالة يوسف عن موقعة الزلاقة، وقد نشرناها في باب الوثائق في نهاية الكتاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>