للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سنة ٤٧٦ هـ، وأسر صاحبها يحيى بن سكوت ثم قتل. وجاز ابن عباد بعد ذلك، وقصد إلى أمير المسلمين، ولقيه بفاس مستنفراً له في الجهاد، ونزل له عن ثغر الجزيرة ليكون رباطاً لجهاده (١). ويقول لنا ابن أبي زرع، إن أمير المسلمين لما عاد إلى مراكش في سنة ٤٧٥ هـ عقب فتحه لوهران وتونس، ورد عليه كتاب المعتمد بن عباد، يعلمه بحال الأندلس، وما آل إليه أمرها من تغلب العدو على معظم ثغورها، ويسأله الإنجاد والعون، فأجابه يوسف بأنه إذا فتح الله عليه سبتة فإنه سوف يتصل بهم، ثم يحدثنا بعد ذلك عن الغزوة التي قام بها ألفونسو في نفس العام، في أراضي إشبيلية وكيف اخترقها بقواته حتى وصل إلى طريف، وخاض الماء بفرسه قائلا، هذا آخر الأندلس قد وطأته، وأنه لما استولى على طليطلة اتفق أمراء الأندلس وكبراؤها على الاستنصار بيوسف وكتبوا إليه جميعاً يلتمسون منه الغوث، وأنهم سوف يكونون معه يداً واحدة في جهاد العدو. فلما توالت كتب الأندلس على يوسف بعث ابنه المعز لافتتاح سبتة، فحاصرها وافتتحها في شهر ربيع الأول سنة ٤٧٧ هـ، فسر بذلك أمير المسلمين، وسار في الحال بقواته نحو الشمال ليجوز منها إلى الأندلس (٢). وفي أقوال ابن أبي زرع شىء من الغموض والتناقض في التواريخ. ولكنه مع ذلك يؤيد الواقعة الجوهرية، وهي أن اتجاه أمراء الطوائف إلى الاستنصار بأمير المسلمين، حدث قبل سقوط طليطلة ببضعة أعوام، وأن سقوط طليطلة لم يكن إلا عاملا جديداً في تقوية هذا الاتجاه وإذكائه.

وإنه ليلوح لنا أن فكرة استدعاء المرابطين لإنجاد الأندلس، قد خطرت لأول مرة للمعتمد بن عباد حينما اشتد ألفونسو في إرهاقه بطلب الجزية، وأرسل إليه ابن شاليب اليهودي في اقتضائها، وذلك في سنة ٤٧٥ هـ ووقع عندئذ ما وقع من بطش ابن عباد برسل ألفونسو، وخروج ملك قشتالة في قواته للانتقام من ابن عباد، واجتياحه لمملكته، وتخريبه لمدنها ومروجها، من إشبيلية جنوباً حتى مدينة طريف، وذلك حسبما فصلناه في موضعه من أخبار مملكة إشبيلية.

والظاهر أن المعتمد قد أدرك عندئذ، وإن يكن متأخراً، فداحة الخطأ الذي


(١) ابن خلدون ج ٦ ص ١٨٦. وقد وهم ابن خلدون في واقعة عبور المعتمد إلى المغرب وزيارته لأمير المسلمين. والواقع أن هذه الزيارة تمت بعد موقعة الزلاقة.
(٢) روض القرطاس ص ٩٢ و ٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>