للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ارتكبه، بخضوعه لملك قشتالة ومحالفته، وأدرك مدى ما تنطوي عليه سياسة هذا الملك القوي من الخديعة والغدر، واعتزم عندئذ أمره في استدعاء المرابطين.

وليس معنى ذلك أن ابن عباد كان ينفرد بهذا التفكير وهذا العزم، فلا شك أن معظم أمراء الطوائف قد جالت بخواطرهم تلك الفكرة، فقد كانوا جميعاً يشعرون بنفس الخطر، وكانوا جميعاً يعانون ضغط ملك قشتالة، وتخريبه لأراضيهم، وجشعه في استصفاء أموالهم باسم الجزية، بيد أن ابن عباد، قد كان كبير ملوك الطوائف، وكان يواجه في نفس الوقت أعظم الأخطار المباشرة من عدوان ملك قشتالة، وكان حرياً بأن يتقدمهم في اعتناق هذه الفكرة وتنفيذها.

على أن فكرة الاستنصار بالمرابطين لم تكن دون معارضة، فقد كان ثمة بين ملوك الطوائف من يخشى عواقبها ويحذر ابن عباد من مغبة سياسته، وقد أجابهم ابن عباد بكلمته المأثورة " رعي الجمال خير من رعي الخنازير"، يقصد بذلك أن خير له أن يغدو أسيراً لدى أمير المسلمين يرعي جماله، من أن يغدو أسيراً لملك قشتالة النصراني (١).

ثم كان سقوط طليطلة بعد ذلك بعامين، فكان نذيراً لا شك في خطورته.

وإذا كانت فكرة الاستنصار بالمرابطين، قد بدت من قبل لأمراء الطوائف أملا يداعبهم، فقد بدت عندئذ ضرورة ماسة، وبدت بالنسبة للأندلس مسألة حياة أو موت، ومن ثم فإن الصريخ الذي كان يتخذ من قبل صورة الكتب والدعوات الخاصة، يتخذ عندئذ صورته الرسمية، وتشاطر الأندلس كلها، أمراؤها وفقهاؤها وكافتها هذا الاتجاه، ويبعث ابن عباد وزميلاه المتوكل ابن الأفطس صاحب بطليوس، وعبد الله بن بلقين صاحب غرناطة، سفارتهم الرسمية إلى أمير المسلمين، على يد أبي بكر عبيد الله بن أدهم قاضي قرطبة، وأبى إسحق بن مُقانا قاضي بطليوس، وأبى جعفر القليعى قاضي غرناطة، وأبى بكر بن زيدون وزير المعتمد (٢). وعبر سفراء الأندلس البحر إلى المغرب وقصدوا إلى أمير المسلمين في مراكش، وكانت وفود الأندلس تتوالى من قبل


(١) راجع الروض المعطار ص ٨٥.
(٢) راجع الحلة السيراء ج ٢ ص ٩٩، والروض المعطار ص ٨٦، ونفح الطيب ج ٢ ص ٥٢٦. وراجع دوزي: Histoire ; Vol.III p ١٢٤

<<  <  ج: ص:  >  >>