للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك على يوسف مستعطفة باكية، ترجوه الغوث والإنجاد، فيستمع إلى قولهم، ويعدهم خيراً. والظاهر أن سفارة الأندلس الرسمية لم تأت لكي تلتمس العون، دون قيد ولا شرط. وقد وقعت بينها وبين أمير المسلمين مفاوضات أسفرت عن عهود متبادلة، خلاصتها أن يتعاون أمير المسلمين وأمراء الطوائف في محاربة النصارى، وأن يؤمن أمراء الطوائف في ممالكهم، وألا تحرض رعيتهم على شىء من الفساد، ومن جهة أخرى فقد طلب أمير المسلمين عملا بنصح وزيره الأندلسي عبد الرحمن بن أسبط أن يُسلم إليه ثغر الجزيرة، وقد كان يومئذ من أملاك ابن عباد، لكي يكون قاعدة أمينة لعبور جيشه، وقد نزل ابن عباد عند هذه الرغبة، وأمر حاكم الجزيرة ولده يزيد الراضي بإخالائها. لتكون رهن تصرف أمير المسلمين (١).

وقد سبق أن أشرنا إلى ما عمد إليه ملك قشتالة عقب استيلائه على طليطلة، من الكتابة إلى ابن عباد يطالبه بتسليم بلاده، وينذره بسوء المصير، وما كتب به كذلك إلى المتوكل بن الأفطس في هذا المعنى، وإلى ما رد به كل من الأميرين المسلمين، على الملك النصراني، وذلك في أخبار مملكتي إشبيلية وبطليوس.

* * *

وهكذا اعتزم أمير المسلمين أمره، بعد استشارة قومه وفقهائه، وقرر أن يلبي صريخ أهل الأندلس، وأن يبادر إلى غوثهم، ولم يك ثمة شك في أن يوسف وقومه المرابطون، كانت تحدوهم نزعة الجهاد في سبيل الله، بيد أن أولئك الجند الصحراويين الذين نشأوا في غمار القفر والبداوة، كانت تحدوهم في نفس الوقت رغبة في رؤية الأندلس، وما اشتهرت به من الخصب والنعماء، وأن يبلوا حرب النصارى (٢). ومن الصعب علينا في هذا الموطن، أن نستشف نيات يوسف ْالتي كشف عنها فيما بعد، في افتتاح الأندلس وامتلاكها، بيد أنا نرجح أنه لم يكن يجيش بمثل هذه النية في البداية، وأنها خطرت له فيما بعد، بعد أن درس أحوال الأندلس، وأحوال أمرائها. واستنفر يوسف سائر قواته وحشوده للجهاد،


(١) راجع كتاب التبيان أو مذكرات الأمير عبد الله ص ١٠٢ و ١٠٣، والحلل الموشية ص ٣٢ و ٣٣.
(٢) الحلل الموشية ص ٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>