للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إشبيلية، واستعد لذلك استعداداً عظيماً سر به يوسف. ولما اقترب يوسف من إشبيلية خرج المعتمد إلى لقائه في وجوه أصحابه وفرسانه، وتعانق الملكان، وأبدى كل منهما لأخيه منتهى المودة والإخلاص، وتضرعا إلى الله أن يجعل جهادهما خالصاً لوجهه، وقدم ابن عباد إلى أمير المسلمين جليل الهدايا والتحف، وقدم المؤن والضيافات الكافية لسائر الجيش القادم، وقرت عينه بما رآه من ضخامته وروعة استعداده، وأيقن ببلوغ النصر المنشود. وفي اليوم التالي سار أمير المسلمين إلى إشبيلية، تلاحقه قواته، وأقام هناك ثلاثة أيام. وكان يوسف قد كتب في أثناء ذلك إلى سائر ملوك الطوائف، يدعوهم إلى اللحاق به، والمشاركة في الجهاد في سبيل الله، وكان أول من لبى دعوته منهم عبد الله بن بلقين صاحب غرناطة وأخوه تميم صاحب مالقة، واعتذر المعتصم بن صمادح صاحب ألمرية بضعفه وكبر سنه، وتوجسه من عدوان النصارى في حصن لييط (أليدو)، وبعث ابنه معز الدولة في فرقة من جنده. ثم سار أمير المسلمين في جيوشه الجرارة، ومعه ابن عباد في قوات إشبيلية، وقرطبة، وقصدوا إلى بطليوس، فلقيهم أميرها عمر المتوكل على مقربة منها، وقدم إليهم المؤن والضيافات الواسعة، وأنفق أمير المسلمين أياماً في بطليوس ينتظر وفود الرؤساء من سائر أقطار الأندلس، بعد أن علم وتأكد لديه أن كل واحد منهم مشغول بمدافعة النصارى (١). ولم يلحق به منهم سوى عبد الله وأخيه تميم ومعز الدولة. وانتظمت القوات الأندلسية إلى وحدة قائمة بذاتها يتولى قيادتها ابن عباد، واحتلت المقدمة، واحتلت الجيوش المرابطية المؤخرة، وانتهت الجيوش الإسلامية المتحدة في سيرها إلى سهل يقع شمالي بطليوس على مقربة من حدود البرتغال الحالية، ويمتد مصعداً نحو قورية، وتسميه الرواية العربية بالزلاقة (٢).

وكانت أنباء عبور المرابطين إلى شبه الجزيرة، قد وصلت إلى ألفونسو السادس ملك قشتالة، وهو محاصر لسرقسطة، وذلك في أواخر يوليه أو أوائل أغسطس ١٠٨٦ م (جمادى الأولى سنة ٤٧٩)، فترك الحصار على عجل،


(١) راجع رسالة يوسف إلى المعز بن باديس السابقة الذكر.
(٢) راجع الحلل الموشية ص ٣٣ و ٣٤، والروض المعطار ص ٨٧ - ٩٠، وسهل الزلاقة يعرف بالإسبانية Sagrajas، وهو يقع على قيد ثلاثة مراحل من شمال بطليوس إلى يسار نهر جريرو، أحد أفرع وادي يانة.

<<  <  ج: ص:  >  >>