الثبات، ويرغبهم في الاستشهاد، ودوي الطبول من حوله يصم الآذان. وينوه الأستاذ بيدال بتأثير وقع الطبول وضجيجها في اضطراب القشتاليين، ويقول إنه لم يسبق من قبل أن عرفت الجيوش الإسبانية، مثل هذا الضجيج الذي تهتز له الأرض، ومن جهة أخرى، فقد عمد المرابطون إلى القتال في صفوف متراصة متناسقة ثابتة، وهي أيضاً خطة جديدة لهم في القتال، ولم يكن للفرسان النصارى عهد بمثلها، إذ كانوا معتادين على القتال الفردي. ومن ثم فقد ألفوا أنفسهم بالرغم من تفوقهم في السلاح، عاجزين عن مناهضة هذه الصفوف المتراصة التي تفوقهم بكثافتها وعديدها (١).
واشتد هجوم المرابطين في نفس الوقت بقيادة سير بن أبي بكر على مقدمة القشتاليين التي يقودها ألبارهانيس، واستردت جيوش الأندلس كل إقدامها وشجاعتها، وكثر القتل من الجانبين في صفوف القشتاليين. وكانت الضربة الأخيرة أن دفع يوسف بحرسه الأسود، وقوامه أربعة آلاف مقاتل إلى قلب المعمعة، واستطاع أحدهم أن يصل إلى ملك قشتالة، وأن يطعنه بخنجره في فخذه طعنة نافذة. وكانت الشمس قد أشرفت على المغيب، وأدرك ألفونسو وقادته وفرسانه أنهم يواجهون الموت، إذا استمروا في موقفهم، وعندئذ بادر ألفونسو في فل من صحبه وأشرافه إلى التراجع، والاعتصام بتل قريب حتى دخل الليل، فسار وصحبه تحت جنح الظلام، وتقدر الرواية من أفلت مع ملك قشتالة بنحو أربعمائة أو خمسمائة فارس، معظمهم جرحى. وكانت صفوف النصارى قد مزقت عندئذ في كل ناحية شر تمزيق، وتعالت أكوام الأشلاء والجرحى، وطورد الفارون في كل مكان، وهلك كثيرون منهم أثناء المطاردة، ولم ينقذ البقية الباقية من النصارى سوى دخول الظلام، وأمر يوسف بوقف المطاردة.
وأمضى المسلمون الليل في ميدان الحرب، يرقبون حركات النصارى، وفي صباح اليوم التالي أخذت فرسانهم في مطاردة المتخلفين، وعمدت قوة أخرى إلى جمع الأسلاب وكانت عظيمة وافرة. ويشير يوسف في رسالته بالفتح إلى المعز بن باديس، إلى وفرة الغنائم من الخيل والبغال والحمير والثياب والأوبار