ويعلق العلامة المستشرق الأستاذ كوديرا على ذلك بقوله:" إنه كان من حسن الطالع بالنسبة للنصارى أن يوسف الظافر في الزلاقة، قد تلقى عقب نصره نبأ وفاة ولده الأمير أبي بكر سير، واضطر أن يعود إلى مراكش تاركاً فكرة مطاردة الجيش المنهزم، واجتناء الثمرة التي يمكن أن تجني من مثل هذا النصر العظيم، وهي الاستيلاء على طليطلة. وهي فكرة كانت تبدو طبيعية ولكنها لم تكن قد استقرت في ذهنه بصورة عملية، وذلك بالرغم مما يقوله لنا المؤرخون العرب من أنه لولا موت ابنه لما غادر الأندلس بهذه السرعة. وبالرغم من أن المؤرخين يؤكدون أن هزيمة ألفونسو السادس كانت مروعة. وأنه استطاع الفرار بمنتهى المشقة، مع نفر قليل من صحبه، فإن قواته لم تتضعضع، كما يتصور، بدليل أنه لم يمض سوى قليل، حتى غدا في ظروف تسمح له بالهجوم، ولكن الحظ كان ضده دائماً "(١).
* * *
وقد كان يوم الزلاّقة من أيام الإسلام المشهودة في انتصاره على النصرانية.
ومن الواضح أن لقاء الإسلام والنصرانية في سهول الزلاقة، إنما هو صفحة من سيرة الحروب الصليبية التي كانت اسبانيا أول مهاد لها. والتي اضطرمت بعد ذلك بقليل في المشرق، في الوقت الذي كانت تضطرم فيه في اسبانيا. فموقعة الزلاقة تعني في الواقع أكثر من هزيمة لملك قشتالة، وأكثر من ظفر للمرابطين وحلفائهم الطوائف. ذلك أن فورة المرابطين الدينية، التي اجتاحت بوادي المغرب ومدنه في فترة قصيرة، ثم عبرت البحر إلى اسبانيا لنصرة الدول الإسلامية بادىء ذي بدء، وانتزعتها من الطوائف بعد ذلك، كانت عنيفة رائعة، توجست النصرانية منها، واستشفت في اضطرامها ذلك الخطر الداهم الذي كان غير مرة ينذر بمناهضة النصرانية فيما وراء اسبانيا. وقد جاشت اسبانيا المسلمة بمثل هذه الفورة بعد موقعة بلاط الشهداء وخلاص النصرانية على يد كارل مارتل (سنة ٧٣٢ م) مرتين: الأولى في عهد الناصر لدين الله، والثانية في عهد الحاجب المنصور، وفي كلتا المرتين، رُدت اسبانيا النصرانية إلى ما وراء الجبال الشمالية ونفذ الإسلام إلى قاصية اسبانيا.
(١) F.Codera: Decadencia y Desparicion de los Almoravides en Espana (Zaragoza ١٨٩٩) p. ٢٤٣