للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن تصرف ألفونسو ملك قشتالة عقب الموقعة، ليؤكد هذا المعنى الصليبي، الذي ينطوي عليه لقاء الزلاقة. فهو قد شعر بأن ذلك التحالف بين الإسلام في إفريقية والأندلس، يوشك أن يقضى على اسبانيا النصرانية، وأنه لابد أن يقابله حلف بين قوى النصرانية، ومن ثم فقد بعث برسله وكتبه إلى الملوك والأمراء النصارى فيما وراء البرنيه، يهيب بهم ويحذرهم من الخطر الداهم، وينذرهم بأنهم إذا لم يتداركوه بالعون، فإنه سوف يضطر إلى الصلح مع المسلمين، وسوف يتركهم أحراراً في عبور البرنيه. وقد ألفت صيحة ألفونسو صداها في فرنسا، وفي مختلف الإمارات الفرنجية التي حولها، وبادر أمير برجونية الدوق أودو، وهو صهر ألفونسو، إذ كانت عمته الملكة كونستانس، بحشد الأمداد، وشاركه في ذلك الكونت دي سان جيل أمير تولوشة. وهرع إلى التطوع فرسان من نورماندي وبواتو، ومن سائر أنحاء فرنسا. وسارت بالفعل قوى الأمداد صوب اسبانيا. ولكن ألفونسو حين علم بأن يوسف بن تاشفين قد عبر البحر في معظم قواته عائداً إلى المغرب، بعث إلى الأمراء الفرنج يشكرهم، وينبئهم برحيل المرابطين، وأنه لم تعد ثمة ضرورة لمقدمهم (١).

واقتصرت الحرب الصليبية عندئذ على منطقة الثغر الأعلى، حيث كان بنو هود أمراء سرقسطة، يواجهون عدوان سانشو راميرز ملك أرجوان، ومحاولاته المتوالية للاستيلاء على تُطيلة، ووشقة، وطرطوشة، وكانت طوائف المتطوعة من الفرنج تهرع إلى تلك الحملات الغازية، لتشترك فيها.

ويشعر المؤرخون المسلمون أنفسهم بخطورة موقعة الزلاّقة، وصبغتها الصليبية، فيحيطون حوادثها بطائفة من الأساطير الدينية. من ذلك ما قصه علينا يوسف نفسه في رسالته لمناسبة عبوره البحر، من المغرب إلى الأندلس، وما دعا به ربه حينما ثارت العواصف في وجه سفنه، وما تلا ذلك من هدوء العواصف والموج، وذلك حسبما فصلناه فيما تقدم (٢). ومن ذلك أن ملك قشتالة حينما كان يتأهب لمحاربة المسلمين، توالت عليه الأحلام المرعبة، فرأى ذات يوم أنه يركب فيلا، قد تدلى بجانبه طبل يحدث صوتاً مرعباً كلما قرعه، وأن فقيهاً مسلماً من أهل طليطلة، فسر له ذلك الحلم بأنه نذير بهزيمته الساحقة،


(١) R.M.Pidal: ibid ; p. ٣١٠
(٢) روض القرطاس ص ٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>