للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مشبهاً ذلك بما حدث عام الفيل من سحق أبرهة وقد كان يركب الفيل أيضاً (١).

ومنه مبالغات الرواية الإسلامية في فداحة خسائر النصارى، ومبالغتها في نفس الوقت في قلة خسائر المسلمين مما تقدم ذكره، إلى غير ذلك.

على أن هذه الأساطير والمبالغات لا يمكن أن تثير ذرة من الريب حول أهمية هذه الموقعة الشهيرة، ولا تنتقص من شأن نتائجها الحاسمة. فقد كان من النتائج العملية المباشرة لنصر الزلاقة، أن عادت إلى اسبانيا المسلمة روح الثقة والأمل، وأخذت قواها المتخاذلة في الانتعاش والنهوض من عثارها، وأن عادت إلى الشعب الأندلسي روح الحماسة الدينية، التي كاد يقضي عليها أمراء الطوائف بتصرفاتهم المشينة، وتراميهم على أعتاب الملوك النصارى، وتحرر أمراء الطوائف من ذلك الخزي الذي لحقهم عصراً بالخضوع لملك قشتالة، ونكلوا عن دفع المغارم التي كان يقتضيها منهم برسم الجزية. بيد أن هذه النتائج المحلية الخاصة، لا تعد شيئاً إذا قيست بالنتائج الهامة البعيدة المدى، التي ترتبت على هذا النصر الباهر. ففي سهول الزلاقة ارتد سيل النصرانية الجارف عن الأندلس المسلمة، بعد أن كان ينذرها بالمحو والفناء العاجل، وغنم الإسلام حياة جديدة في اسبانيا، امتدت إلى أربعة قرون أخرى، ومهدت السبل لسيطرة المرابطين على اسبانيا المسلمة، ومن بعدهم لخلفائهم الموحدين، وجعلت الأندلس، ولاية مغربية زهاء مائة وخمسين عاماً. وبالرغم من أن حياة اسبانيا المسلمة، لم تكن من ذلك الحين سوى صراع دائم بينها وبين اسبانيا النصرانية، فإنها قد استطاعت أن تتابع نشاطها المنتج، وتقدمها الحضاري الباهر. (٢)


(١) الحلل الموشية ص ٣٥ و ٣٦.
(٢) راجع في تفاصيل موقعة الزلاقة: روض القرطاس ص ٩٣ - ٩٨، والحلل الموشية ص ٣٣ - ٤٦، والمعجب للمراكشي ص ٧٠ - ٧٣. والروض المعطار ص ٧٦ - ٩٤، ونفح الطيب ج ٢ ص ٥٢٧ - ٥٣١، وابن خلكان ج ٢ ص ٤٨١ وما بعدها، وابن الأثير ج ١٠ ص ٥٢ - ٥٣. وراجع أيضاً Dozy: Histoire, V.III.p. ١٢٩-١٣٠، وكذلك R.M.Pidal.ibid ; p. ٣٣١-٣٤٠

<<  <  ج: ص:  >  >>