للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دعوه يبني فسوف يدري ... إذا أتت قدرة القدير (١)

على أن ما استقر في ذهن يوسف، وما نهضت عليه الأدلة، وأكده رسله يومئذ، هو أن المعتمد بن عباد، وعبد الله بن بلقين وغيرهما من أمراء الطوائف، قد عقدوا مع ملك قشتالة اتفاقات سرية، يتعهدون فيها بالامتناع عن معاونة المرابطين بالمال والمؤن، وبالانضواء تحت لواء ألفونسو وحمايته. وكان بعض حشم عبد الله ولاسيما مؤمل مولى جدّه باديس، قد اتصلوا بأمير المسلمين، وأكدوا له مداخلة عبد الله لملك قشتالة، واهتمامه بتجديد الأسوار وتحصين المدينة. ومن جهة أخرى فقد أصدر فقهاء غرناطة فتوى بخلع عبد الله وأخيه تميم صاحب مالقة، لما يرتكبانه من المظالم والخروج على أحكام الدين، وأهابوا بيوسف أن يرغم أمراء الطوائف على اتباع أحكام الشرع وإلغاء المكوس، والمغارم الجائرة، التي يفرضونها على رعيتهم تعسفاً وظلماً.

وفرض أمير المسلمين على غرناطة شبه حصار، وقام عسكره بحراسة حصونها الخارجية، حتى لا يأتيها مدد من النصارى، وطلب المؤن والعلوفات، فبادر عبد الله بتقديمها. وكانت الأحوال في غرناطة قد ساءت، وشاع الخلاف والتمرد بين سائر الطوائف، وأدرك عبد الله أنه لا سبيل إلى المقاومة، وأرسل إلى أمير المسلمين رسله ومعهم بعض المال، فعادوا إليه بأمان يوسف " في النفس والأهل دون المال "، كما عرض عليه يوسف أن يختار بلداً آخر لإقامته غير غرناطة. فتمهل عبد الله وقتاً. والظاهر أنه كان ينتظر عوناً من القشتاليين لم يتحقق. وفي خلال ذلك كانت أمه وخاصته يلحون عليه في الخروج إلى أمير المسلمين، والانقياد لأمره، كأفضل حل للموقف. ولما اقترب أمير المسلمين بمحلته من المدينة، واشتد بها الهياج، رأى عبد الله أنه لا مناص من اتباع هذا النصح، فسار إلى محلة يوسف، وقدم إليه نفسه، فأصدر له أماناً في نفسه وأهله، وأمر باعتقاله، حتى يتم ضبط أمواله، وكانت لدى عبد الله وأمه أموال طائلة، مكدسة منذ أيام جده باديس، وعلى أثر ذلك أقبل الفقهاء والأعيان إلى محلة يوسف وبايعوه بالطاعة. ودخل يوسف مع قادته وجنده مدينة غرناطة ونزل بقصرها، واستولى على ما فيه من الأموال والتحف الجليلة، وأذاع في


(١) نقلت من أوراق مخطوطة من البيان المغرب عثر بها المؤلف في خزانة القرويين بفاس.

<<  <  ج: ص:  >  >>