للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشهداء، لكثرة من استشهد فيها من أكابر المسلمين والتابعين. وفي هذه التسمية ذاتها، وفي تحفظ الرواية الإسلامية، وفي لهجة العبارات القليلة التي ذكرت بها الموقعة، ما يدل على أن المؤرخين المسلمين، يقدرون خطورة هذا اللقاء الحاسم بين الإسلام والنصرانية، ويقدرون فداحة الخطب الذي نزل بالإسلام في سهول تور. ويدل على لون الموقعة الديني ما تردده الأسطورة الإسلامية، من أن الأذان لبث عصوراً طويلة يسمع في بلاط الشهداء (١). ونستطيع أن نحمل تحفظ المؤرخين المسلمين في هذا المقام، على أنهم لم يروا أن يبسطوا القول في مصاب جلل نزل بالإسلام، ولا أن يفيضوا في تفاصيله المؤلمة، فاكتفوا بالإشارة الموجزة، ولم يكن ثمة مجال للتعليق أيضا، ولا التحدث عن نتائج خطب، لاريب أنه كان ضربة للإسلام ولمطامع الخلافة ومشاريعها. وإذا استثنينا بعض الروايات الأندلسية التي كتبت عن الموقعة في عصر متأخر، والتي نقلناها فيما تقدم، فإن المؤرخين المسلمين يتفقون جميعا في هذا الصمت والتحفظ. وهذه طائفة من أقوالهم وإشاراتهم الموجزة:

قال ابن عبد الحكم، وهو من أقدم رواة الفتوح الإسلامية وأقرب من كتب عن فتوح الأندلس ما يأتي: " وكان عبيدة (يريد والي إفريقية) قد ولى عبد الرحمن بن عبد الله العكي على الأندلس، وكان رجلا صالحا فغزا عبد الرحمن إفرنجة، وهم أقاصي عدو الأندلس، فغنم غنائم كثيرة وظفر بهم ... ثم خرج إليهم غازيا فاستشهد وعامة أصحابه، وكان قتله فيما حدثنا يحي عن الليث في سنة خمسة عشر ومائة " (٢). ولم يذكر الواقدي والبلاذري والطبري وهم أيضا من أقدم رواة الفتوح شيئاً عن الموقعة. وقال ابن الأثير في حوادث سنة ثلاث عشرة ومائة مرددا الرواية ابن عبد الحكم. " ثم إن عبيدة استعمل على الأندلس عبد الرحمن ابن عبد الله، فغزا إفرنجة وتوغل في أرضهم وغنم غنائم كثيرة. ثم خرج غازيا ببلاد الفرنج في هذه السنة (أعني ١١٣ هـ)، وقيل سنة أربع عشرة ومائة وهو الصحيح، فقتل هو ومن معه شهداء " (٣). وينسب ابن خلدون الموقعة خطأ لابن الحبحاب والى مصر وإفريقية فيقول: " وقدم بعده (أي بعد الهيثم) محمد


(١) المقري عن ابن حيان (نفح الطيب ج ٢ ص ٥٦).
(٢) فتوح مصر وأخبارها ص ٢١٦ ٢١٧.
(٣) ابن الأثير ج ٥ ص ٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>