للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالأمان، بيد أنه ما كادت تفتح أبواب المدينة، ويدخلها المرابطون، حتى أمر جرور بالقبض على الراضي وإعدامه، وانتهاب أمواله، ناكثاً بذلك بعهده أشنع نكث، وأمر بقتل كل من ظفر به من الأحرار والجند المدافعين (رمضان سنة ٤٨٤ هـ). وأما ميرتلة، فقد أبقى المرابطون على حياة المعتد، وقنعوا بنهب أمواله (١). وتم للمرابطين بذلك الاستيلاء على سائر قواعد مملكة إشبيلية.

وكان يزيد الراضي، ويكنى أبا خالد، أنبه أبناء المعتمد في ميدان الشعر والأدب، وكان شاعر بني عباد بعد أبيه، وقرينه في نظم القريض الفائق. وكان فوق ذلك عالماً أديباً، حافظاً للشريعة، خبيراً بأنساب العرب ولغاتها. ومن شعره قوله:

يحل زمان المرء ما هو عاقد ... ويسهر في إهلاكه وهو راقد

ويغرَى بأهل الفضل حتى كأنهم ... جناةُ ذنوبٍ وهو للكل حاقد

سينهدُّ مبنيٌ ويقفر عامرٌ ... ويصفر مملوء، ويخمد واقد

ويفترق الألاّف من بعد صحبة ... وكم شهدت مما ذكرت الفراقد (٢)

* * *

وهكذا سقطت مملكة بني عباد في أشهر قلائل، وخبا نجمها الذي سطع حيناً في سماء الأندلس وضاء عالياً، ولكنها سقطت أبية كريمة، في مناظر من الفروسية الرائعة تخلق بالألى شادوها. ولم تسقط قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة على يد عميدها الباسل. وقد يبدو من رواية " روض القرطاس " أن المعتمد سلم عاصمته للمرابطين بالأمان مختاراً (٣). والحقيقة التي تجمع عليها سائر الروايات، هي أن المرابطين اقتحموا إشبيلية، كما تقدم، وأخذوها عنوة في مناظر رائعة من السفك والتخريب، وأن المعتمد بن عباد لم يدخر وسيلة في الدفاع عن نفسه وعاصمته، وأنه ظل يدافع حتى اللحظة الأخيرة، وحتى


(١) المراكشي في المعجب ص ٧٧، وكتاب التبيان ص ١٧١. ونحن نذكر أن اثنين من أبناء المعتمد هما عباد بن محمد والفتح الملقب بالمأمون قد قتلا بالتعاقب في حوادث قرطبة، وكان هؤلاء جميعاً ابناؤه من حظيته اعتماد الرميكية. وكان له منها أبناء آخرون، منهم أبو الحسين الملقب بالرشيد الذي عبر معه إلى العدوة (راجع الحلة السيراء ج ٢ ص ٦٢).
(٢) الحلة السيراء ج ٢ ص ٧١ و ٧٤.
(٣) روض القرطاس ص ١٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>