للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اقتحم الأعداء قصره وأسروه. وقد انتهت إلينا في ذلك رواية شاهد عيان، هو أبو بكر محمد بن عيسى الداني المعروف بابن اللبانة، فهو يصف لنا في كتابه " نظم السلوك في مواعظ الملوك في أخبار الدولة العبادية "، مناظر سقوط إشبيلية حسبما شهدها بنفسه في قوله: " إلى أن كان يوم الأحد الحادي والعشرون من رجب، فعظم الخطب في الأمر الواقع، واتسع الخرق على الراقع، ودخل البلد من جهة واديه، وأصيب حاضره بعادية باديه، بعد أن ظهر من دفاع المعتمد وبأسه، وتراميه على الموت بنفسه، ما لا مزيد عليه، ولا انتهى خلق إليه، فشنت الغارة في البلد، ولم يبق فيها على سبد لأحد ولا لبد، وخرج الناس من منازلهم يسترون عوراتهم بأناملهم، وكشفت وجوه المخدرات العذارى، ورأيت الناس سكارى وما هم بسكارى " (١).

ويصف لنا الفتح بن خاقان مؤرخ الطوائف، ومعاصرهم تقريباً، منظر الصراع الأخير بين المعتمد ومهاجميه في عبارته المسجعة فيما يلي: " ولما انتشر الداخلون في البلد، وأوهنوا القوى والجلد، خرج (أي المعتمد) والموت يتسعر في ألحاظه، ويتصور من ألفاظه، وحسامه يعد بمضائه، ويتوقد عند انتضائه، فلقيهم في رحبة القصر وقد ضاق به فضاؤها، وتضعضعت من رجتهم أعضاؤها، فحمل فيهم حملة صيرتهم فرقاً، وملأتهم فرقاً، وما زال يوالي عليهم الكر المعاد، حتى أوردهم النهر، وما بهم من جواد، وأودعهم حشاه كأنهم له فؤاد، ثم انصرف وقد أيقن بانتهاء حاله وذهاب ملكه وارتحاله، وعاد إلى قصره واستمسك يومه وليلته، مانعاً لخوذته، دافعاً للذل عن عزته ... " (٢).

وأخيراً يقول لنا ابن الخطيب: " وكان دخول إشبيلية على المعتمد دخول القهر والغلبة يوم الأحد لعشر بقين من رجب. وشملت الغارة، واقتحمت الدور، وخرج ابن عباد وابنه مالك للدفاع، فقتل مالك الملقب بفخر الدولة، وأرهقت ابن عباد الخيل، فدخل القصر ملقياً بيده " (٣).


(١) نقله نفح الطيب ج ٢ ص ٤٥٣.
(٢) قلائد العقيان ص ٢٢ في ترجمة المعتمد بن عباد. وقد كتب الفتح كتابه بعد سقوط إشبيلية بنحو ثلاثين عاماً.
(٣) ابن الخطيب في الإحاطة (القاهرة ١٣١٩ هـ) ج ٢ ص ٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>