وهذا ما يؤيده شعر المعتمد نفسه في وصف صراعه مع أعدائه في ذلك اليوم المشهود:
إن يسلب القوم العدا ... ملكي وتسلمني الجموع
فالقلب بين ضلوعه ... لم تُسلم القلب الضلوع
قد رُمْت يوم نزالهم ... ألاّ تحصنني الدروع
وبرزت ليس سوى القميص ... عن الحشا شىء دفوع
وبذلت نفسي كي تسـ ... ـيل إذا يسيل بها النجيع
أجلي تأخر لم يكن ... بهواي ذلي والخضوع
ما سرت قط إلى القتال ... وكان من أملي الرجوع
شيم الألي أنا منهم ... والأصل تتبعه الفروع
ثم يقول لنا الفتح، إن المعتمد لما التجأ إلى قصره، بعد سقوط حاضرته، وتفرق جيشه، وفقد كل أمل في النجاة، فكر في أن يقضي على نفسه بيده، ولكن منعه من ذلك إيمانه المتين، فاستسلم إلى هوان الأسر، وقبض عليه المرابطون وعلى سائر آله وولده ونسائه (١).
- ٢ -
ويجدر بنا قبل أن نتم الكلام على فتوح المرابطين لممالك الطوائف، أن نتتبع مصير المعتمد بن عباد حتى نهايته.
إن هذه المرحلة الأخيرة من حياة المعتمد، وهي مرحلة مؤسية تنفطر لها القلوب الكريمة، تنتمي إلى الأدب أكثر من انتمائها إلى التاريخ، بما تحفل به من الآثار الشعرية الرائعة، التي نظمها المعتمد عن محنته وآلامه في المنفى. وقد شغلت هذه المرحلة على قصرها، من صحف التاريخ والأدب، فراغاً كبيراً لم تشغل مثله حياة المعتمد الملوكية كلها.
(١) راجع في سقوط إشبيلية: روض القرطاس ص ١٠٠ و ١٠١، وقلائد العقيان ص ٢١ و٢٢، وكتاب التبيان ص ١٧٠ و ١٧١، والمعجب ص ٧٦ و ٧٧، وابن خلدون ج ٦ ص ١٨٦ وأعمال الأعلام ص ١٦٣ و ١٦٤، والمقري ج ٢ ص ٤٥٣، وابن خلكان ج ٢ ص ٤٠ و ٤١، وابن الأثير ج ١٠ ص ٦٥. وراجع أيضاً: R.M.Pidal: ibid ; p. ٤٠٧ & ٤٠٨، وكذلك Dozy: Hist.V.III.p. ١٤٤