وهنالك في شعر المعتمد ما يدل على أنه كان مصفداً في قدميه بالأغلال، على الأقل في أواخر أيام أسره. ولم تكن هذه المعاملة الشنيعة لأعظم ملوك الطوائف عفواً، بل كانت مقصودة، بلا ريب، وكانت قسوة لا مبرر لها من الظافر، ولم تكن تتفق في شىء مع ما أثر عن يوسف بن تاشفين، من الفروسية والخلال الحسنة. وسنرى فيما بعد كيف يفسر هذا الموقف من جانب أمير المسلمين وكيف تلتمس له الأعذار.
واشتدت وطأة الأسر على اعتماد زوجة المعتمد، ولم تقو طويلا على مغالبة المحنة، فذوت نضارتها بسرعة ثم توفيت، فدفنت في ظاهر أغمات على مقربة من معتقل زوجها وأولادها، فحزن المعتمد لوفاتها أيما حزن، واشتد به الضنى والأسى.
وقد سبق أن أشرنا إلى ما كانت تتمتع به اعتماد الرميكية أيام مجدها وعزها في بلاط إشبيلية من منزلة عالية، وأشرنا إلى صفاتها اللامعة من الجمال والسحر والشاعرية، والمشاطرة في مجالس الشعر والأدب. على أن هذه الصفات الممتازة التي كانت تتمتع بها الرميكية، وهذه الحياة السافرة اللامعة في أعظم بلاط لملوك الطوائف، كانت من جهة أخرى مدعاة للطعن في تصرفها وأخلاقها.
فمثلا ينقل إلينا التيجاني الأندلسي عن الحجاري في حق الرميكية ما يأتي:" وهي التي ورطت المعتمد فيما ورطته من الخلاعة والاستهتار والمجاهرة، حتى كتب أهل إشبيلية عليه بذلك، وبتعطيل صلوات الجمع، عقوداً، ورفعوها إلى أمير المسلمين، فكان من أمره معه ما كان، وسجن المعتمد بأغمات، وسجنت الرميكية معه، فماتت هنالك قبله "(١).
(١) نقلنا هذه الفقرة عن المخطرط رقم ٥٦٢ الغزيري المحفوظ بمكتبة الإسكوريال والمسمى " تحفة العروس " لأبى عبد الله التيجاني الأندلسي المالكي (لوحة ٢٠٠). ويقدم إلينا التيجاني بهذه المناسبة ملخصاً لقصة بثينة ابنة المعتمد والرميكية، فيقول لنا إن بثينة هذه كانت مثل أمها في الجمال والذكاء ونظم الشعر. ولما سقطت إشبيلية، ونهبت قصور المعتمد، كانت ابنته ضمن السبايا، ولم يعثر لها على خبر، إلى أن كتبت إليهما بأغمات شعراً تقص فيه ما حدث لها، وهو أنها وقعت في يد تاجر اشتراها على أنها سرية، فامتنعت عليه، وعرفته بحقيقة أمرها، وطلبت إليه أن يتزوجها زواجاً شرعياً، وكتبت إلى والديها بأغمات الشعر المشهور المتداول، ترجو فيه منهما الموافقة على زواجها منه. فسر المعتمد والرميكية بوجودها على قيد الحياة، وكتبا إليها، بالموافقة على رغبتها. (المخطوط السالف الذكر لوحة ٢٠١). وراجع نفح الطيب ج ٢ ص ٤٨٩ و ٤٩٠.