وأذكت المحنة شاعرية المعتمد، وكان القريض عندئذ عزاءه وغذاءه الروحي، فصدرت عنه في معتقله طائفة كبيرة من القصائد المؤسية، وكلها تلهف على سابق مجده، وبكاء على ماضيه، ورثاء لمحنته، فمن ذلك قوله:
أنباء أسرك قد طبقن آفاقا ... بل قد عممن جهات الأرض إطلاقا
سارت من الغرب لا تطوى لها قدم ... حتى أتت شرقها تنعاك إشراقا
فأحرق الفجع أكباداً وأفئدة ... وأغرق الدمع آماقاً وأحداقا
قد ضاق صدر المعالي إذ نعيت لها ... وقيل إن عليك القيد قد ضاقا
وقوله:
غريب بأرض المغربين أسير ... سيبكي عليه منبر وسرير
وتندبه البيض الصوارم والقنا ... وينهل دمع بينهن غزير
مضى زمن والملك مستأنس به ... وأصبح منه اليوم وهو نفور
برأي من الدهر المضلل فاسد ... متى صلحت للمصلحين دهور
أذل بني ماء السماء زمانهم ... وذل بني ماء السماء كبير
فياليت شعري هل أبيتن ليلة ... أمامي وخلفي روضة وغدير
بمنيته الزيتون مورثة العلا ... يغني حمام أو تدن طيور
بزاهرها (١) السامي الذري جاده الحيـ ... ـا تشير الثريا نحونا ونشير
ويلحظنا الزاهي (١) وسعد سعوده ... غفورين والصب المحب غيور
تراه عسيراً أو يسيراً مناله ... ألا كل ما شاء الإله يسير
وقوله في أول عيد له بأغمات، وقد أبكاه منظر أولاده وبناته:
فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا ... فساءك العيد في أغمات مأسورا
ترى بناتك في الأطمار جائعة ... يغزلن للناس ما يملكن قطميرا
برزن نحوك للتسليم خاشعة ... أبصارهن حسيرات مكاسيرا
يطأن في الطين والأقدام حافية ... كأنها لم تطأ مسكاً وكافورا
أفطرت في العيد لا عادت إساءته ... فكان فطرك للأكباد تفطيرا
قد كان دهرك أن تأمره ممتثلا ... فردك الدهر منهياً ومأمورا
من بات بعدك في ملك يسر به ... فإنما بات بالأحلام مغرورا
(١) الزاهر والزاهي من قصور بني عباد بإشبيلية.