للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله وقد رأى سرباً من القطا يمر بمعتقله:

بكيت إلى سرب القطا إذ مررن به ... سوارح لا سجن يعوق ولا كبل

ولم تك والله المعيد حسادة ... ولكن حنيناً إن شكلي لها شكل

فأسرع فلا شمل صديع ولا الحشى ... وجيع ولا عينان يبكيهما ثكل

وقوله في لوم أمير المسلمين على ظلمه:

أبى الدهر أن يقني الحياء ويندما ... وأن يمحو الذنب الذي كان قدّما

وأن يتلقى وجه عتبى وجهه ... بعذر يغشى صفحتيه التذمما

ستعلم بعدي من تكون سيوفه ... إلى كل صعب من مراقيك سلما

سترجع إن حاولت دوني فتكة ... بأخجل من خد المبارز أحجما

وأذكت مأساة بني عباد في الوقت نفسه دولة الشعر في الأندلس، ونظم أكابر شعراء العصر في رثاء دولتهم، والتوجع على أيامهم، طائفة من القصائد المؤثرة، التي ما زالت تحتفظ حتى اليوم بكل روعتها وحياتها. وكان أغزرهم في ذلك مادة، أبو بكر بن اللبانة، شاعر المعتمد المتقدم ذكره، فقد بقي على صلاته ووفائه للمعتمد، وزاره في سجنه بأغمات، ونظم في دولته وأيامه، وفي محنته وأسره، عدة من قصائده الرنانة، يضمها كتاب وضعه في تاريخ بني عباد، وأسماه: " كتاب نظم السلوك في مواعظ الملوك " (١).

واستطال أسر المعتمد وسجنه حتى سنة ٤٨٨ هـ، بيد أنه استطاع في غمر المحنة والبؤس الطاحن، أن يحتفظ بكثير من جلاله السابق، فكان هذا الجلال يشع في ظلمات سجنه، كما يشع ضوء الشمس إذا أحدق به الغمام (٢). وفي أواخر أيامه صدرت أوامر أمير المسلمين بالتضييق عليه وتصفيده بالأغلال، بسبب ثورة محلية قام بها ولده عبد الجبار في بعض حصون إشبيلية، وكان ممن أفلت عند سقوطها وذلك حسبما نذكر بعد. وفي اليوم الحادي عشر من شوال سنة ٤٨٨ هـ (أواخر أكتوبر ١٠٩٥ م)، توفي المعتمد في سجنه بقلعة أغمات بعد


(١) يراجع بعض هذه القصائد في قلائد العقيان ص ٢٩ و ٣٠، وابن خلكان ج ٢ ص ٤١ وما بعدها، وفي نفح الطيب ج ٢ ص ٤٥٧ و ٤٥٨. وكذلك في الحلة السيراء ج ٢ ص ٥٩ - ٦٧.
هذا وقد كتب ابن قاسم الشلبي مجموعاً في أخبار المعتمد ابن عباد أشار إليه ابن الأبار (الحلة ج ٢ ص ١٣٦).
(٢) تاريخ المرابطين والموحدين لأشباخ (الطبعة الثانية) ص ٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>