اعتقال دام زهاء أربعة أعوام (١)، وكان سنه عند وفاته سبعاً وخمسين سنة وبضعة أشهر. ودفن بظاهر أغمات إلى جانب زوجه اعتماد الرميكية. ومما قاله في رثاء نفسه قبل وفاته، وأوصى بأن يكتب على قبره:
بالحلم بالعلم بالنعمى إذا اتصلت ... بالخصيب إن أجدبوا بالري للصادي
بالطاعن الضارب الرامي إذا اقتتلوا ... بالموت أحمر بالضرغامة العادي
بالدهر في نقم بالبحر في نعم ... بالبدر في ظلم بالصدر في النادي
نعم هو الحق حاباني به قدر ... من السماء فوافاني لميعاد
ولم أكن قبل ذاك النعش أعلمه ..
. إن الجبال تهادى فوق أعواد
كفاك فارفق بما استودعت من كرم ... رواك كل قطوب البرق رعاد
ويقدم إلينا صاحب البيان المغرب بعض تفاصيل عن ثورة عبد الجبار بن المعتمد وهي الثورة التي اتخذت ذريعة للتنكيل بأبيه وتصفيده في سجنه بأغمات، وذلك أن عبد الجبار امتنع بحصن أركش، الواقعة جنوبي إشبيلية وشرقي شريش، في جمع كبير من أصحابه. وبعث إلى ألفونسو السادس يطلب عونه، وعلم الأمير سير اللمتوني فاتح إشبيلية بذلك، فسار إلى أركش، وبعث إلى أمير المسلمين يخطره بالأمر، فبعث إليه مدداً من الخيل والرجالة، فضخمت الحملة، وأحدقت بالحصن وضيقت على من فيه، واتصلت الحرب بين الفريقين، وابن عباد يخرج في قواته من آن لآخر ويشتبك بالمرابطين في معارك دامية، وأصحابه يتساقطون من حوله تباعاً. وفي ذات يوم أصاب ابن عباد سهم رماه به أحد الرماة المرابطين، فاحتمله أصحابه جريحاً، وتوفي لأيام قلائل، فكتم أصحابه موته. وكان قد مضى على هذه المعارك نحو ستة أشهر، وفنى كثير من حامية الحصن، واشتد بها الضيق، وعندئذ حاول القادة الأندلسيون الحصول على الأمان، فرفض الأمير سير، واقتحم الحصن أخيراً، وقتل معظم حاميته، واستخرج جثة عبد الجبار من قبرها، واحتز رأسه ورؤوس أصحابه، وحملت
(١) ويقول لنا صاحب البيان المغرب إن وفاة المعتمد كانت في شهر ذي الحجة سنة ٤٨٨ هـ (الأوراق المخطوطة التي عثرنا بها). ويقول ابن الأبار إنها كانت في ربيع الأول سنة ٤٨٨ هـ (الحلة السيراء ج ٢ ص ٥٥).