للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى مدينة إشبيلية، وعلقت على أسوارها، ووقعت حوادث هذه الحملة في سنة ٤٩٠ هـ (١٠٩٧ م) (١).

وهكذا اختتم المعتمد بن عباد حياته الباهرة، في غمر المحنة وظلمات العدم، وتفرق من بعده ولده وآله في مختلف الأنحاء. ولكن ذكراه لبثت طويلا حية في المغرب والأندلس، ولبثت محنته وخاتمته مضرب الأمثال في تقلب الجدود وعبر الدهر. وبعد وفاته بقليل وفد على أغمات أبو بحر بن عبد الصمد، وقد كان من شعراء دولته وخاصة المتصلين به، وذهب يوم العيد إلى قبره فخر أمامه، وغمره بقبلاته وبلله بدموعه، وأنشد بين الجماهير التي احتشدت من حوله، مرثيته الغراء في المعتمد، ومطلعها هذه الأبيات:

ملك الملوك أسامع فأنادي ... أم قد عدتك عن السماع عواد

لما خلت منك القصور ولم تكن ... فيها كما قد كنت في الأعياد

أقبلت في هذا الثرى لك خاضعاً ... واتخذت قبرك موضع الإنشاد

قد كنت أحسب أن تبرد أدمعي ... نيران حزن أضرمت بفؤادي

فإذا بدمعي كلما أجريته ... زادت على حرارة الأكباد

فبكى الناس لسماعه أحر بكاء، وهم يطوفون بالقبر طواف الحجيج، وكان منظراً يفتت الأكباد (٢).

* * *

وقد أسبغت هذه البقعة التي يرقد فيها ملك إشبيلية، وأمير الشعر في عصره، رقدته الأبدية، شهرة مؤثرة على مدينة أغمات. ولما ذهبت دولة المرابطين بعد ذلك بنحو خمسين عاماً، غدا قبر المعتمد بن عباد وزوجه الرميكية في أغمات مزاراً يحج إليه الوافدون من أنحاء المغرب والأندلس، واستمر كذلك عصوراً. وفي سنة ٧٦١ هـ (١٣٦٠ م) زاره الكاتب والشاعر الكبير الوزير لسان الدين ابن الخطيب عند زيارته لمدينة أغمات. وهو يصفه لنا في كتابه " نفاضة الجراب " في قوله: " وزرت بخارجها قبر المعتمد علي الله أبى القاسم محمد بن عباد أمير حمص


(١) البيان المغرب من أوراق مخطوطة، عثرنا بها في خزانة القرويين بفاس، وسبقت الإشارة إليها.
(٢) راجع قلائد العقيان ص ٣٠ و ٣١، وأعمال الأعلام ص ١٦٥ - ١٧٠ حيث يورد القصيدة كلها.

<<  <  ج: ص:  >  >>