للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقرطبة والجزيرة وما إلى ذلك الصقع الغربي رحمه الله. وهو بالمقبرة القبلية على يسار الخارج من البلد، قد توقل نشزا غير سام، وإلى جانبه، قبر الحرة حظيته، وسكن نفسه، اعتماد، إشراكاً لاسمها في حروف لقبه المنسوب إلى رميك، المتولعة بشأنه معها أخبار القصاص، وحكايات الأسمار، إلى أجداث من ولديهما فترحمنا عليه، وأنشدته " (١). ويعود ابن الخطيب بعد ذلك في كتابه " أعمال الأعلام ". فيصف لنا زيارته للقبر في تلك العبارات المؤثرة: " وهو بمقبرة أغمات في نشز من الأرض، وقد حفت به سدرة، وإلى جانبه قبر اعتماد حظيته، مولاة رميك، وعليها وحشة التغرب ومعاناة الخمول بعد الملك، فلا تملك العين دمعها عند رؤيتها "، وقد أنشد على القبر أبياتاً يقول فيها:

قد زرت قبرك عن طوع بأغمات ... رأيت ذلك من أولى المهمات

ولم لا أزورك يا أندى الملوك يداً ... ويا ضياء الليالي المدلهمات

أناف قبرك في هضب يميزه ... فتنتحيه حفيات التحيات

كرمت حياً وميتاً واشتهرت علا ... فأنت سلطان أحياء وأموات

ما رِىء مثلك في ماض ومعتقدي ..

. أن لا يرى الدهر في حال ولا آت (٢)

وزاره المقري مؤرخ الأندلس في سنة ١٠١٠ هـ (١٦٠٢ م) ورآه كما ذكر ابن الخطيب فوق ربوة في مكان يغمره النسيان، فوقف أمامه خاشعاً متأثراً (٣).

وقد انتهزت فرصة وجودي بمدينة مراكش في خريف سنة ١٩٥٦، فزرت أغمات. وقد غدت مدينة أغمات هذه، التي اشتهرت في التاريخ وفي الأدب لاحتوائها على قبر المعتمد بن عباد، اليوم قرية متواضعة، تقع على مقربة من مراكش، ومن آكام جبال الأطلس الثلجية، وتحيط بها غراس الزيتون والتين البري، ولا يعدو سكانها ثلاثة آلاف نسمة. وأما قبر المعتمد، فيقع في ظاهرها في طلل خرب يحيط به سور قصير، وفي داخله حظيرتان، في إحداهما قبر المعتمد، وقد خرب تماماً ونمت به الأشواك البرية، وعليه كومة من الأحجار الصغيرة. وأما الحظيرة الأخرى فالمفهوم أنها تحتوي على قبر زوجه اعتماد الرميكية. وقد ذكرت وأنا أتأمل هذا الطلل الموحش المؤثر، ما ذكره


(١) نفاضة الجراب في علالة الاغتراب. مخطوط الإسكوريال رقم ١٧٥٥ الغزيري.
(٢) أعمال الأعلام ص ١٦٤ و ١٦٥.
(٣) راجع نفع الطيب ج ٢ ص ٤٥٨ و ٤٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>