للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن الخطيب والمقري من قبل، من غلبة الخمول والعفاء عليه، وشعرت بمثل ما شعر به كل منهما من الألم والخشوع.

* * *

كانت مأساة المعتمد بن عباد مأساة من أروع المآسي الملوكية، وما زالت محنة هذا الأمير، تحتفظ إلى يومنا، بالرغم من كر العصور، بألوانها المشجية، وقد أثارت عطف الرواية الإسلامية وتأثرها البالغ، ويبدو هذا العطف بنوع خاص في روايات مؤرخي الأندلس والمشرق، وفي كثير منها يُصور المعتمد شهيد القسوة والعسف، ومنها ما يشدد الحملة على يوسف بن تاشفين، ويصمه بأقسى الصفات. فمثلا يقول لنا ابن الأثير في التعليق على أسر بني عباد ومعاملتهم: " وفعل أمير المسلمين بهم فعالا لم يسلكها أحد من قبله، ولا يفعلها أحد ممن يأتي بعده، إلا من رضى لنفسه بهذه الرذيلة ... وأبان أمير المسلمين بهذا الفعل عن صغر نفسه ولؤم قدره " (١).

ويقول العلامة دوزي معلقاً على ذلك: " ومهما كانت فضائل يوسف، فإن الشهامة إزاء المغلوبين لم تكن منها، فقد كان تصرفه مع الأمراء الأندلسيين الذين أسرهم قاسياً وبغيضاً ". ثم يقول، إن المعتمد لم يكن بلا ريب ملكاً عظيماً، ييد أنه ينوه بدقة حساسيته وفيض شاعريته، التي تنعكس عليها أقل الحوادث في حياته، بل إنا لنستطيع أن نسجل حياة المعتمد وخلجات نفسه، من قصائده، ثم يقول: " ثم إنه، أي المعتمد كان لحسن طالعه آخر ملك أندلسي، يمثل بجدارة وروعة، قومية وحضارة عقلية سقطتا تحت نير البربر الذين فتحوا البلاد.

ولقد لزمه نوع من الإيثار باعتباره آخر فرع لتلك الأسرة العديدة من الأمراء الشعراء، الذين حكموا الأندلس. وإنا لنأسوا له أكثر مما نأسوا لأي شخص آخر، بل ودون أي شخص آخر، كما تثير آخر زهرة في الموسم, وآخر أيام الخريف الحلوة، وآخر أشعة الشمس الغاربة، في نفوسنا أيما أسى " (٢).

وقد أسبغت قسوة يوسف نحو أمراء الأندلس، ونحو المعتمد بنوع خاص.

على سيرته وعلى خلاله سحباً لم تمحها جميع الأعذار التي انتحلت لتبرير عمله.


(١) ابن الأثير ج ١٠ ص ٦٥.
(٢) Dozy: Hist.V.III.p. ١٧٨-١٧٦

<<  <  ج: ص:  >  >>