ابن عائشة بدوره في ذلك. ثم قدم إلى شرقي الأندلس جيش مرابطي آخر، أوفر عدة وعدداً، بقيادة محمد بن تاشفين ابن أخي يوسف، وحاصر بلنسية، وفي داخلها السيد، وذلك في أواخر سنة ٤٨٨ هـ. ولكن مقاومة السيد، ومن بعد وفاته مقاومة القشتاليين، استطالت بضعة أعوام، ولم يتمكن المرابطون من دخول بلنسية إلا في شهر شعبان سنة ٤٩٥ هـ (مايو سنة ١١٠٢ م) وذلك حسبما فصلناه من قبل تفصيلا شافياً في أخبار مملكة بلنسية.
واستمرت الجيوش المرابطية في تقدمها شمالي بلنسية، نحو أراضي الثغر الأعلى، واستولت على إمارة شنتمرية الشرق في رجب سنة ٤٩٧ هـ (إبريل ١١٠٤ م)، وكانت قد استولت قبل ذلك على إمارة ألبونت الصغيرة. وفي سنة ٥٠٢ هـ (١١٠٩ م)، وعقب انتصار المرابطين في موقعة إقليش، سار جيش مرابطي بقيادة أبي عبد الله بن الحاج والي بلنسية، شمالا صوب سرقسطة، فدخلها، وأخرج منها بني هود، وبذلك تم للمرابطين فتح شرقي الأندلس والثغر الأعلى، وانتهت إمارات الطوائف كلها في تلك الأنحاء.
وأما في غربي الأندلس، فإن المتوكل بن الأفطس صاحب بطليوس، شعر عقب استيلاء المرابطين على إشبيلية، أن الدائرة سوف تدور عليه، وكان قبل ذلك قد تقرب من عاهل المرابطين يوسف بن تاشفين، وبعث إليه برسالته المؤثرة التي أوردناها من قبل، يدعوه فيها لنصرة الأندلس. ولما استولى المرابطون على غرناطة ذهب مع المعتمد بن عباد لتهنئة أمير المسلمين، فاستقبلهما بجفاء، وانصرفا من لديه وقد شعر كلاهما بالخطر الداهم على مملكته. على أنه يبدو أن ابن الأفطس استطاع بعد ذلك أن يعمل على توثيق أواصر المودة مع المرابطين وكبيرهم الأمير سير بن أبى بكر فاتح إشبيلية وحاكمها. واستمرت هذه العلائق الودية قائمة نحو ثلاثة أعوام. ثم بدأ المرابطون الإغارة على أراضي مملكة بطليوس، وشعر المتوكل بتغير المرابطين نحوه واتجاههم إلى إزالته، ولم يجد أمامه إزاء هذا الخطر الداهم، طريقاً يسلكه سوى نفس الطريق الذي سلكه ابن عباد من قبل، وهو الاستغاثة بألفونسو السادس ملك قشتالة. وبذل ابن الأفطس لملك قشتالة ثمناً لحلفه ومعاونته، ثلاث مدن هامة من أملاكه، هي أشبونة، وشنترة، وشنترين. وقد كان لهذا التصرف وقع سىء، إذ انحرف