للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهل بطليوس عن المتوكل، وكتب أعيانهم إلى المرابطين يستدعونهم. وفي أوائل سنة ٤٨٨ هـ (أوائل ١٠٩٥ م)، بعث حاكم إشبيلية الأمير سير بن أبي بكر جيشاً إلى بطليوس لافتتاحها، فاخترق أراضي بطليوس بسرعة، ولم يتمكن ملك قشتالة من تقديم أية معاونة لحليفه المسلم، واضطر ابن الأفطس أن يمتنع بقصبة بطليوس المنيعة الضخمة. ولكن المرابطين اقتحموها بعنف، وقبضوا على المتوكل وولديه الفضل والعباس، واستولوا على أمواله المدفونة بالقصبة، بعد أن عذبوه لكشف مخابئها. واحتل المرابطون بطليوس، وأخذوا المتوكل وولديه بحجة تسييرهم إلى إشبيلية، ثم أعدموهم في الطريق (١). وكان للمتوكل ولد آخر هو المنصور، وكان قد بعثه ومعه معظم ذخائره إلى حصن منتانجش على مقربة من حدود قشتالة، ليمتنع فيه، فلما علم بما وقع لأبيه وإخوته، سار في أهله وأمواله إلى ملك قشتالة، والتجأ إلى حمايته، وأقام بأرضه، واعتنق النصرانية وفقاً لبعض الروايات (٢). وهكذا انتهت مملكة بطليوس بعد أن عاشت في ظل بني الأفطس خمسة وسبعين عاماً، وتم للمرابطين فتح غربي الأندلس كله، كما تم لهم من الناحية الأخرى فتح شرقي الأندلس.

وقد أذكت محنة بني الأفطس، كما أذكت محنة بني عباد من قبل، فجيعة الشعر الأندلسي، ونظم في رثائهم ورثاء دولتهم وأيامهم، وزيرهم الكاتب والشاعر المبدع، أبو محمد عبد المجيد بن عبدون، مرثيته الشهيرة، التي تعتبر من أجل المراثي الأندلسية وأروعها، وهذا مطلعها:

الدهر يفجع بعد العين بالأثر ... فما البكاء على الأشباح والصور

أنهاك أنهاك لا آلوك موعظة ... عن نومة بين ناب الليث والظفر

ومنها:

فلا تغرنك من دنياك نومتها ... فما صناعة عينيها سوى السهر

ما لليالي أقال الله عثرتنا ... من الليالي وخانتها يد العبر

في كل حين لها في كل جارحة ... منا جراح وإن زاغت عن النظر


(١) المعجب ص ٤٢، وأعمال الأعلام ص ١٨٦، وراجع: Dozy: Hist.V.III.p. ١٥٢ وكذلك: R.M.Pidal: ibid ; p. ٥٠٤
(٢) هذه رواية ابن عذارى في الأوراق المخطوطة التي عثرنا بها بخزانة القرويين. وراجع أيضاً أعمال الأعلام ص ١٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>