للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيقال إن الأذان يسمع بذلك الموضع إلى الآن ". ونقل عن ابن حيان: " قال دخل الأندلس (أي عبد الرحمن) حين وليها ولايته الثانية من قبل ابن الحبحاب في صفر سنة ثلاث عشرة ومائة، وغزا الإفرنج فكانت له فيهم وقائع جمة إلى أن استشهد، وأصيب عسكره في موضع يعرف ببلاط الشهداء. قال ابن بشكوال وتعرف غزوته هذه بغزوة البلاط " (١).

هذه الفقرات والإشارات الموجزة، التي تكاد تتفق جميعا في اللفظ والمعنى، هي ما ارتضت الرواية الإسلامية أن تقدمه إلينا في هذا المقام، وإن كان في تحفظها ذاته ما ينم عن تقديرها لرهبة الحادث وخطورته وبعد آثاره. وإذا كان صمت الرواية الإسلامية تمليه فداحة الخطب الذي أصاب الإسلام في سهول تور، فإن الرواية النصرانية تفيض بالعكس في تفاصيل الموقعة إفاضة واضحة، وتشيد بظفر النصرانية ونجاتها من الخطر الإسلامي، وترفع بطولة كارل مارتل إلى السماكين. وتذهب الرواية النصرانية، ومعظم كتابها من الأحبار المعاصرين، في تصوير نكبة المسلمين إلى حد الإغراق، فتزعم أن القتلى من المسلمين في الموقعة بلغوا ثلاثمائة وخمسة وسبعين ألفاً، في حين أنه لم يقتل من الفرنج سوى ألف وخمسمائة. ومنشأ هذه الرواية رسالة أرسلها الدوق أودو إلى البابا جريجورى الثاني، يصف فيها حوادث الموقعة وينسب النصر لنفسه، فنقلتها التواريخ النصرانية المعاصرة واللاحقة، كأنها حقيقة يستطيع العقل أن يسيغها. بيد أنها ليست سوى محض خرافة، فإن الجيش الإسلامي كله، لم يبلغ حين دخوله فرنسا على أقصى تقدير، أكثر من مائة ألف (٢). والجيش الإسلامي لم يهزم في تور ولم يسحق، بالمعنى الذي تفهم به الهزيمة الساحقة، ولكنه ارتد من تلقاء نفسه بعد أن لبث طوال المعركة الفاصلة، يقاتل حتى المساء محتفظا بمراكزه أمام العدو، ولم يرتد أثناء القتال ولم يهزم. ومن المستحيل أن يصل القتل الذريع في جيش يحافظ على ثباته ومواقعه، إلى هذه النسبة الخيالية. ومن المعقول أن تكون خسائر المسلمين فادحة في مثل هذه المعارك الهائلة، وهذا ما تسلم به الرواية الإسلامية. ولكن مثل هذه


(١) نفح الطيب ج ٢ ص ٥٦.
(٢) وهذا التقدير يأخذ به بعض الؤرخين الغربيين أيضا، مثال ذلك المؤرخ الفرنسي Mezeral. راجع التعليقات في موسوعة Bayle، تحت كلمة Abderame.

<<  <  ج: ص:  >  >>