الإسلامية (١) وأشرنا إلى ما عمد إليه فرناندو من إجلاء سائر المسلمين عن الأراضي الواقعة في شمال البرتغال بين نهري منهو ودويرة.
ونحن نعرف مما تقدم في أخبار مملكة بلنسية، أن فرناندو، خرج في قواته في أوائل سنة ١٠٦٥ م، أعني بعد استيلائه على قلمرية ببضعة أشهر، قاصداً إلى بلنسية، يبغى افتتاحها، وأنه اخترق في طريقه أراضي مملكة سرقسطة الجنوبية، وعاث فيها معاقبة لأميرها المقتدر بن هود لتخلفه عن دفع الجزية، ثم ضرب الحصار حول بلنسية. ولكنه لما رأى صعوبة الاستيلاء عليها نظراً لمناعة أسوارها، وأهبة أهلها، تظاهر بمغادرتها، وانسحب بقواته إلى مكان قريب منها. وعندئذ خرج البلنسيون دون تحوط، وفاجأهم القشتاليون في بطرنة وهزموهم هزيمة شنيعة حسبما فصلنا ذلك في موضعه.
وكان فرناندو قد شعر حينئذ بالمرض، فآثر العودة إلى ليون، وهنالك احتفل بدفن رفات القديس إسيدورو في أوانل ديسمبر. وكان في الواقع مرض موته، ذلك أنه لم تمض أيام قلائل على ذلك، حتى توفي في السابع والعشرين من ديسمبر سنة ١٠٦٥، ودفن في نفس الكنيسة التي دفن فيها القديس، والتي غدت من ذلك الحين مدفناً لملوك قشتالة.
وكان فرناندو الأول من أعظم ملوك اسبانيا النصرانية، وفي عهده أحرزت اسبانيا النصرانية تفوقها الواضح على اسبانيا المسلمة، ومهد حكمه الملىء بالوقائع المظفرة لمجد الملوك اللاحقين، وقد أسبغت عليه الرواية لقب الكبير El Magno، وكان يسمى نفسه بالإمبراطور، ويدعي لنفسه مركز التفوق والسيادة على ملكي نافار وأراجون. وفي عهده اتسعت رقعة مملكة قشتالة اتساعاً عظيماً، ودفعت حدودها إلى الجنوب والشرق والغرب على حساب المملكة الإسلامية، واقتطعت منها كثيراً من البلاد والحصون. وقد كانت غزواته، بالرغم مما ينسب إليه من التقى والورع، تتسم بنزعة دموية مروعة، تبدو واضحة في قسوته وفظاعته في معاملته المدنيين من أهل البلاد الإسلامية المفتوحة، وسفك دمائهم دون تمييز ولا حرج، واسترقاقهم جملة. وقد اشتهر فضلا عن غزواته وفتوحه المظفرة، بأعماله الإنشائية والدستورية، فقد جدد مدينتي ليون وسمورة،
(١) راجع سقوط قلمرية في البيان المغرب ج ٣ ص ٢٣٨ و ٢٣٩، وأعمال الأعلام ص ١٨٤.