للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أشد دفاع. واستمر الحصار حولها زهاء ستة أشهر، حتى نضبت أقوات الجيش المحاصر نفسه، وكاد يرفع الحصار. ولكن رهبان دير لورفان القريب، أمدوه بمؤنهم المخزونة في الجبال. وأخيراً نجح القشتاليون في إحداث عدة ثغرات في أسوار المدينة، واضطر قائد المدينة إلى طلب الأمان، واتفق على أن يسمح لأهلها بأن يخرجوا مع نسائهم وأولادهم، تاركين أموالهم للفاتح، ولكن الجند المدافعين رفضوا هذا الاتفاق، واستمروا في الدفاع حتى نفدت سائر الأقوات، وعندئذ اقتحم القشتاليون المدينة، وأسروا من المدافعين، ومن أهل المدينة، أكثر من خمسة آلاف، ودخل فرناندو قلمرية في اليوم الحادي عشر من يوليه، ومعه الملكة دونيا سانشا، ورهط من الأساقفة ورجال الدين (١). وعهد بحكم المدينة إلى رجل كان له فيما بعد شأن في صوغ السياسة القشتالية نحو الطوائف، هو الكونت المستعرب سسنندو دافيدس، الذي تعرفه الرواية الإسلامية بششنند.

وكان حسبما أسلفنا في أخبار مملكة إشبيلية من أهل هذه المنطقة، وأسر في حداثته في غارة قام بها القاضي ابن عباد ضد ابن الأفطس، وربى في البلاط العبادي وأعجب المعتضد فيما بعد بمواهبه، وقربه واستخدمه في السفارة بينه وبين فرناندو، ثم غادر إشبيلية بعد ذلك، والتحق بخدمة البلاط القشتالي (٢)، وقربه فرناندو وأولاه رعايته لما كان عليه من معرفة تامة باللغة العربية، والدين الإسلامي، وأحوال المسلمين وعاداتهم. فحكم سسنندو قلمرية بكفاية، ونال احترام النصارى، والمسلمين على السواء، وكان يلقب عندئذ " بالوزير " على النمط الإسلامي، وفي عهده نمت قلمرية، وأنشئت بها عدة صروح فخمة. وفي بعض الروايات أن سسنندو لم يكن حاكماً لطليطلة على أثر افتتاحها، حسبما تقدم ذكره في موضعه، وأنه بالعكس استمر حاكماً لإقليم قلمرية حتى توفي سنة ١٠٩١ م (٣).

وتضع الرواية الإسلامية تاريخ سقوط قلمرية في سنة ٤٥٦ هـ (١٠٦٤ م) متفقة في ذلك مع الرواية النصرانية، بيد أنها تختلف معها في بعض التفاصيل.

وقد سبق أن عرضنا فيما تقدم من أخبار مملكة بطليوس، إلى أقوال الرواية


(١) راجع في حوادث فتح قلمرية M.Lafuente: ibid ; V.II.p. ٣٨٤ & ٣٨٥ وكذلك R.M.Pidal: ibid ; p. ١٤٥ & ١٤٩
(٢) الذخيرة القسم الرابع المجلد الأول ص ١٢٩.
(٣) I.de las Cagigas: Los Mozarabes, p. ٤٦١

<<  <  ج: ص:  >  >>