للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأعلن اعترافه بطاعته، وتعهده بأداء الجزية، فقبل فرناندو المال والعهد، وعاد مثقلا بالغنائم والتحف.

وفي العام التالي، خرج فرناندو فأغار على أراضي مملكة إشبيلية، وخرب بسائطها، واضطر المعتضد بن عباد، أن يحذو حذو المأمون، وأن يقصد إلى فرناندو ومعه هدية جليلة من الأموال والتحف، يناشده المودة والسلم، على أن يؤدي له الجزية، فأجابه فرناندو إلى رغبته، وطلب إليه أن يمكنه من نقل رفات القديسة خوستا، وكانت هذه القديسة قد استشهدت أيام الإمبراطور دقلديانوس ودفنت في إشبيلية، فوعد ابن عباد بتحقيق رغبته، وأرسل فرناندو إلى إشبيلية بعثة من أكابر رجال الدين للقيام بهذه المهمة، ولكنها لم تستطع الاهتداء إلى قبر هذه القديسة، وعندئذ زعم أحد أعضائها، وهو الأسقف ألفيتو، أنه قد ظهر له القديس إسيدورو، وقد كان من أساقفة إشبيلية أيام القوط، وقال له إن رفات القديسة خوستا يجب أن تبقى في مكانها لحماية إشبيلية، وعرض أن تحمل رفاته هو، وكشف عن مكان وجودها، ووجدت بالفعل رفات هذا القديس في المكان المحدد، فحملت إلى ليون ودفنت هنالك باحتفال فخم، في الكنيسة التي سميت من ذلك التاريخ باسمه، أعني بكنيسة سان إسيدورو، وكان ذلك في أوائل ديسمبر سنة ١٠٦٥ م (١).

وكان فرناندو على أثر إخضاعه لملوك بطليوس وطليطلة وإشبيلية لصولته، وأرغامهم على دفع الجزية، قد وضع خطته للاستيلاء على مدينة قُلُمرية، وهي أعظم القواعد الإسلامية، في شمال غربي البرتغال، بيد أنه رأى قبل مسيره أن يستمد العون والبركة، من القديس ياقب، فقصد إلى مزاره بشنت ياقب، وقضى به ثلاثة أيام في صلوات ودعوات وخشوع، ثم سار إلى قلمرية في جيش ضخم، وضرب حولها الحصار (يناير سنة ١٠٦٤ م). وقد سبق أن عرضنا إلى حصار قلمرية، وأشرنا إلى ما تقصه الرواية الإسلامية، من أن راندة، قائد الحامية الإسلامية، غادر المدينة سراً مع أهله بتفاهم مع فرناندو، وأن ابن الأفطس قضى فيما بعد بإعدامه جزاء له على خيانته، وترك ابن الأفطس قلمرية إلى مصيرها كما فعل بالنسبة لبازو. بيد أن أهل قلمرية دافعوا عن أنفسهم


(١) راجع: M.Lafuente: ibid ; V.II.p. ٣٨٨ & ٣٨٩.
وكذلك R.M.Pidal: ibid ; p. ١٣٥

<<  <  ج: ص:  >  >>