(شمالي البرتغال)، وهي قاصية أراضي المسلمين من الشمال الغربي، وكانت هذه المنطقة المنعزلة النائية تابعة لمملكة بطليوس، بيد أنها كانت لبعدها تكاد تكون مستقلة بشئونها، وتعتمد في الدفاع على نفسها، فاجتاحها فرناندو وعاث فيها، واستولى على بعض الحصون، ثم قصد إلى مدينة بازو Vizeu، وضرب حولها الحصار. فدافع عنها أهلها المسلمون أشد دفاع وأعنفه، وأبدى الرماة المسلمون، كما أبدوا من قبل أيام أن حاصرها ألفونسو الخامس، براعة عظيمة في إصابة العدو، حتى اضطر النصارى إلى ارتداء دروع مثلثة، واضطر فرناندو إلى إنشاء فرقة من حملة المقالع، وانتهى القشتاليون بأن اقتحموا المدينة بمنتهى العنف، وأمعنوا في أهلها قتلا وأسراً. وكان من بين الأسرى، ذلك الرامي الماهر، الذي أصاب بسهمه المسموم ألفونسو الخامس من قبل ذلك بثلاثين عاماً، فأمر فرناندو به فسملت عيناه وقطعت يداه ورجلاه، وعذب حتى أسلم الروح. ثم سار فرناندو بعد ذلك إلى لاميجو (لميقة) الواقعة شمال بازو، وكانت حصينة عالية الأسوار، فاقتحمها واستولى عليها بعد ذلك ببضعة أشهر، وقتل معظم أهلها وأسرهم، واسترق الأسرى من أهل المدينتين، وأسكن بهما النصارى. ولم يتحرك ابن الأفطس صاحب بطليوس، وهو صاحب السيادة على تلك الأنحاء، ليقينه باستحالة الدفاع عنها، وذلك حسبما أشرنا إليه من قبل في أخبار مملكة بطليوس.
وقد سبق أن أشرنا كذلك فيما تقدم إلى الحملة التي بعث بها فرناندو ضد مدينة شنترين الواقعة في شمالي أشبونة على نهر التاجه، وكيف اضطر ابن الأفطس عندئذ إلى أن يتعهد بأن يدفع إلى قشتالة جزية قدرها خمسة آلاف دينار.
وكان فرناندو يطمح إلى أن يخضع ملوك الطوائف جميعاً، ولاسيما ابن عباد وابن ذى النون، وهما يومئذ أقوى أولئك الملوك وأعظمهم شأناً. ومن ثم فقد خرج في جيشه في سنة ١٠٦٢ م، إلى انحاء مملكة طليطلة الشمالية الشرقية، وأغار على مدينة سالم، وأوسيدا، وطلمنكة، ووادي الحجارة، وقلعة النهر (ألكالا دي هنارس) وعاث في بسائطها تخريباً وسبياً. فاستغاث أهل هذه الأنحاء بالمأمون ابن ذى النون صاحب طليطلة، وجمع المأمون مقادير كبيرة من الذهب والفضة والأقمشة الفاخرة، وسار بنفسه إلى معسكر الملك النصراني، وقدم إليه الهدايا،