للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لما وصل ألفونسو إلى برغش، واجتمع بأشراف المملكة وكبرائها، طلبوا إليه أن يقسم بأنه لم يشترك بأية صورة في تدبير مقتل أخيه سانشو. فنزل ألفونسو عند رغبتهم. بيد أنه لما انتظم الجمع في الكنيسة التي تقرر أداء القسم فيها، لم يجرأ أحد من الأشراف أن يتولى تحليف الملك، وعندئذ تقدم منه الفارس ردريجو دياث (السيد فيما بعد)، قائد أخيه سانشو ومستشاره، وتولى تحليفه اليمين بنفسه، فلما أداها، عقب ردريجو بقوله، إنه يطلب إلى الله، إن كان ألفونسو كاذباً، أن يسلط عليه خائناً يقتله كذلك الذي اغتال أخيه سانشو. وقد خلفت جرأة " السيد " هذه في نفس ألفونسو أثراً لا يمحى، ولم يصف قلبه لهذا الفارس فيما بعد قط، حسبما بينا من قبل في حياة السيد، وعلائقه مع مليكه ألفونسو (١).

وهكذا غدا ألفونسو ملك قشتالة، كما غدا من قبل ملك ليون وجليقية (ديسمبر سنة ١٠٧٢ م)، وعادت المملكة الإسبانية الكبرى إلى تماسكها ووحدتها كما كانت في عهد أبيه فرناندو. ولم يمض قليل على ذلك، حتى عاد أخوه غرسية ملك جليقية السابق من منفاه في إشبيلية معللا النفس، بعوده إلى العرش، فدعاه ألفونسو بإشارة أختهما الماكرة أوراكا، إلى مقابلته للتفاهم، ولكنه ما كاد يصل إلى مكان اللقاء حتى قبض عليه، وزج إلى حصن " لونا " (فبراير سنة ١٠٧٣ م) وهناك أنفق بقية حياته، سبعة عشر عاماً، حتى توفي سنة ١٠٩٠ م.

وتحدثنا الرواية النصرانية، بأن ألفونسو ما كاد يعتلى العرش، حتى أراد أن يعرب عن عرفانه للمأمون بن ذى النون، وذلك بأن أعانه في حربه ضد ابن عباد، وأمده ببعض قواته، وسار معه إلى قرطبة وعاث في أحوازها، واستطاع المأمون بذلك أن يستولى على قرطبة. وربما كان ألفونسو قد أعان المأمون ببعض قواته في غاراته على قرطبة، ولكن المأمون استولى على قرطبة بطريقة أخرى دبرها مبعوثه حكم بن عكاشة (١٠٧٥ م) حسبما فصلنا ذلك في موضعه، ولم يشترك القشتاليون في شىء من تلك الحوادث.

ولم تمض بضعة أشهر على ذلك حتى مرض المأمون وتوفي، فخلفه في حكم طليطلة، حسبما تقول الرواية النصرانية، ولده هشام القادر، والظاهر أن هشاماً هذا لم يحكم سوى بضعة أشهر ثم توفي، أو أنه خلع لشدة ولائه للنصارى، بيد أن


(١) R M.Pidal: ibid ; p. ١٣٩ & ١٩٨. و M.Lafuente: ibid ; Vol. II.p. ٤٠٤

<<  <  ج: ص:  >  >>