ولم يستطيعوا أن يؤلفوا من أنفسهم جبهة متحدة ضد النصارى. ومن ثم فقد استمر السيد إلكمبيادور في عيثه ومغامراته في منطقة بلنسية، واستمر القشتاليون من قاعدتهم المنيعة في حصن لييط (أليدو) الواقع بين مرسية ولورقة، وهو الذي ابتنوه قبل ذلك ببضعة أعوام، يرهقون هذه المنطقة بغاراتهم المتوالية. وعلى ذلك فقد استصرخ أمراء الطوائف، أمير المسلمين للعبور إليهم وإنجادهم مرة أخرى.
وعبر أمير المسلمين يوسف بن تاشفين إلى الأندلس للمرة الثانية في سنة ٤٨١ هـ (١٠٨٩ م)، وانضم إليه ابن عباد صاحب إشبيلية، والمعتصم صاحب ألمرية، وتميم بن بلقين، صاحب مالقة، وأخوه عبد الله صاحب غرناطة، وابن رشيق صاحب مرسية، كل في قواته، وهم الذين تقع أملاكهم جميعاً في شرق الأندلس (١) وتعرض لعدوان القشتاليين في تلك المنطقة. وضرب المسلمون الحصار حول حصن لييط، وكان يدافع عنه ألف فارس واثنا عشر ألف راجل من النصارى، ولكن الحصن كان في منتهى المناعة، فلم تنجح آلات الحصار الضخمة في هدمه أو ثلم أسواره، وطال الحصار زهاء أربعة أشهر، والقوات المحاصرة تحاول اقتحامه، كل جماعة بدورها، والنصارى صامدون، يتساقطون داخل حصنهم من الجوع والإعياء. وفي أثناء ذلك كان الخلاف والوقيعة على أشدهما بين أمراء الأندلس المشاركين في الحصار، ولاسيما بين ابن عباد وابن رشيق، فقد شكا ابن عباد، ابن رشيق لأمير المسلمين، واتهمه باغتصاب ولاية مرسية منه، وأنه تفاهم سراً مع ألفونسو، ودفع جبايتها إليه. واقتنع أمير المسلمين بوجاهة هذه الشكوى، واستفتى الفقهاء في أمر ابن رشيق، فأفتوا بإدانته، فأمر بتسليمه لابن عباد على شرط أن يبقي على حياته. وكان لهذا الحادث أسوأ الأثر في المعسكر المحاصر، فإن قادة مرسية، ومعظمهم من قرابة. ابن رشيق وصحبه، غادروا المحلة في جندهم غاضبين، وقطعوا المؤن التي كانت ترسل إلى المحاصرين من مرسية وأحوازها، فاختل أمر المعسكر، وعمه الضيق والغلاء. وعلم أمير المسلمين من جهة أخرى أن ملك قشتالة، يسير في قوة كبيرة لإنجاد حصن لييط، فآثر الانسحاب وعدم التعرض للقشتاليين. وقدم ألفونسو إلى الحصن، فلم يجد به من المدافعين سوى مائة فارس وألف راجل قد برح بهم الجوع، ولما رأى
(١) يلاحظ أن المعتمد ابن عباد كان يدعى حق السيادة على مدينة مرسية منذ افتتحها ابن عمار وابن رشيق باسمه وبمعاونة جنده.