كان الاستيلاء على طليطلة بلا مراء أعظم أعمال ألفونسو السادس، بل كان أعظم عمل قام به ملك نصراني، مذ قامت المملكة الإسبانية النصرانية في شبه الجزيرة في أواخر القرن الثامن الميلادي.
وقد كان لسقوط طليطلة أعمق الآثار في ميزان القوى في شبه الجزيرة، وبه توج تفوق اسبانيا النصرانية السياسي والعسكري، واتخذ ملك قشتالة على أثره لقب الإمبراطور، ودخلت سياسة الإسترداد Reconquista في طور جديد يبدأ من الناحية الأخرى من نهر التاجُه. بيد أنه كان من آثاره أيضاً أن استيقظت اسبانيا المسلمة من سباتها، وأدرك ملوك الطوائف، حقيقة موقفهم، وعاقبة بغيهم واستهتارهم، وخطورة تنابذهم وتفرقهم، وشعروا بخطر الفناء يهدد مصايرهم جميعاً، وجنحوا عندئذ إلى الاستعانة بإخوانهم فيما وراء البحر، وكان أن استجاب أمير المسلمين يوسف بن تاشفين إلى صريخهم، وعبر إلى شبه الجزيرة في جيوشه المرابطية. وفي ذلك الوقت بالذات كان ألفونسو، عقب استيلائه على طليطلة، قد سار إلى سرقسطة وحاصرها، ليرغم أميرها المستعين بن هود على دفع الجزية، فلما سمع بمقدم المرابطين، غادرها مسرعاً إلى الأندلس ليلقى أعداءه الجدد. ثم كانت موقعة الزلاقة (رجب ٤٧٩ هـ - أكتوبر سنة ١٠٨٦ م) وإحراز الجيوش الإسلامية المتحدة لنصرها الباهر على الجيوش النصرانية المتحدة، وسحق قوات ألفونسو السادس، وانسحابه في فلوله القليلة مهيضاً مغلوباً، وذلك كله حسبما فصلناه في مواضعه بإفاضة.
بيد أن يوسف اضطر عقب الموقعة أن يغادر الأندلس إلى المغرب لوفاة ولده وخلفه الأمير سير. وتنفس ألفونسو الصعداء حيناً، وأخذ يجمع أشتات جيشه من جديد، ووفد عليه عندئذ سيل من المتطوعة النصارى النورمان والفرنسيين وغيرهم، شعوراً منهم بطابع المعركة الصليبي، ولم يمض سوى قليل، حتى استرد ألفونسو ثقته بنفسه، وشعر أنه يستطيع لقاء أعدائه في الميدان من جديد، وكان ابن عباد وغيره من أمراء الطوائف قد انتعشوا عقب نصر الزلاقة، وأغار المعتمد بقواته على أراضي طليطلة، وانتزع منها عدة أماكن.
بيد أن أمراء الطوائف لبثوا مع ذلك على تنابذهم وتفرقهم، يتربص كل بأخيه،