ساهاجون، وذلك بنفوذ الملكة كونستانس، وهي فرنسية برجونية الأصل.
وكان لتعيين هذا الراهب لرياسة الكنيسة الإسبانية، تأثير شديد في تطور طقوسها وتقاليدها.
وكان من أول الأعمال التي دلت على بغيه وتعصبه، اعتداؤه على مسجد طليطلة الجامع. وكان من عهود التسليم التي قطعها ألفونسو على نفسه، أن يحتفظ المسلمون بمسجدهم الجامع لأداء شعائرهم إلى الأبد. بيد أنه ما كاد يمضي شهران على التسليم، حتى دبر هذا القس بتحريض الملكة كونستانس المتعصبة مؤامرته لإزالة الجامع.
وكان رجال الدين من النصارى يغصون بالأخص بعظمة الجامع وروعته، هذا بينما كانت كنائس المدينة كلها صغيرة متواضعة. وعبثاً حاول الكونت ششنندو حاكم المدينة أن يثني القس عن غيه، وأن يبين له سوء العاقبة في مخالفة العهود المقطوعة على هذا النحو. وانتهز برنار فرصة غياب الملك في ليون، واقتحم الجامع في جمع من الفرسان وحطم المحراب، وأمر بإقامة الهياكل. وفي اليوم التالي عقد بالجامع قداساً حافلا، فهاج المسلمون وماجوا، ولولا وجود حامية قشتالية كبيرة بالمدينة لاستحال هياجهم إلى ثورة مدمرة. وعلم الملك بذلك الحادث، فارتد من ليون على عجل، وهو يضطرم غيظاً وسخطاً، إذ كان من سياسته أن يحترم العهود المقطوعة ولو إلى حين، تفادياً من سخط المسلمين، واضطرام القلاقل. وتظاهر الملك بأنه سوف يعاقب القس والملكة بالحرق، وعندئذ تدخل المسلمون والتمسوا إليه العفو عنهما، ولعلهم كانوا يأملون بذلك أن ويستردوا جامعهم. ولكن هذا الأمل الخلاب لم يتحقق، واستمر العمل في تحويل الجامع إلى كنيسة جامعة. وفي يوم الأحد ١٨ ديسمبر سنة ١٠٨٥ (١٥ شعبان سنة ٤٧٨ هـ) دشنت الكنيسة الجديدة في حفل ضخم شهده الملك والأشراف ورجال الدين، وانتخب فيه برنار مطراناً (١).
(١) ورد تاريخ تحويل جامع طليطلة إلى كنيسة في أوراق مخطوطة لم تنشر من كتاب البيان المغرب لابن عذارى، عثر بها الأستاذ ليفي بروفنسال ونقله العلامة الأستاذ بيدال في كتابه La Espana del Cid ( ص ٣٠٧ و ٣٠٨). وقد تناول ابن بسام حادث تحويل الجامع إلى كنيسة في عبارته المسجعة (الذخيرة القسم الرابع المجلد الأول ص ١٣١ و ١٣٢، ولكنه وهم في تاريخ الحادث فجعله في ربيع الأول سنة ٤٩٨ - ١١٠٤ م، وربما كان ذلك راجعاً إلى تحريف في المخطوط إذ وضعت عبارة سنة " ثمان وتسعين وأربعمائة "، وهي في الحقيقة " ثمان وسبعين ".