وكانت آخر معركة هامة خاضها ألفونسو السادس مع المسلمين هي موقعة إقليش، وكان أمير المسلمين يوسف بن تاشفين قد توفي يومئذ (سنة ٥٠٠ هـ) وخلفه ولده على. وقد عبر عقب توليته إلى شبه الجزيرة الإسبانية في أوائل سنة ١١٠٨ م (٥٠١ هـ) معتزماً أن يستأنف الجهاد ضد النصارى، وعهد بالقيادة إلى أخيه الأكبر تميم أبي الطاهر، فسار الأمير تميم في جيش ضخم، واخترق أراضي قشتالة، ولكن حالت دون تقدمه قلعة إقليش Uclés المنيعة، فضرب حولها الحصار في الحال، فبعث ألفونسو، وقد عاقته الشيخوخة عن أن يقود جيشه بنفسه، قواته لإنجادها، وبعث معها ولده الوحيد سانشو وهو الذي رزق به من " زائدة " حظيته أو زوجه المسلمة المتنصرة، لكي يثير حماسة الجند، وكان صبياً في الحادية عشرة من عمره. ووقعت بين المرابطين وبين القشتاليين أمام حصن إقليش موقعة شديدة، حدث خلالها أن ازدلف الأمير الصبي إلى قلب المعمعة، وشاء القدر أن تصيبه طعنة قاتلة، وقتل معه مؤدبه الكونت غرسية دي قبره مدافعاً عنه، فدب الخلل إلى الجيش القشتالي وركن إلى الفرار، وقتل المرابطون منه مقتلة عظيمة، يقدر من زهق فيها بنحو عشرين ألفاً (٢٩ مايو سنة ١١٠٩ م)(١). وكان نصراً عظيماً أعاد ذكريات الزلاّقة، وكان أشد ما فيها وقعاً في نفس الملك النصراني، فقده لولده الوحيد وولي عهده، وانقطاع نسله بذلك. والواقع أن ألفونسو لم يعش طويلا بعد هذه الصدمة المؤلمة، فتوفي في ٢٩ يونيه سنة ١١٠٩ م، بعد أن حكم المملكة النصرانية المتحدة سبعة وثلاثين عاماً، وحوادث المرحلة الأخيرة من حياته أكثر ارتباطاً بتاريخ المرابطين، ولكننا حرصنا على استعراضها بإيجاز، استكمالا لسياق الحوادث.
ولابد لنا قبل أن نختتم الكلام على عهد ألفونسو السادس، أن نتحدث عن أعماله وإصلاحاته الداخلية، وقد شملت هذه الإصلاحات جوانب هامة في بناء المملكة النصرانية والمجتمع الإسباني، وذلك من الناحيتين الدينية والدنيوية. ففي أواخر القرن الحادي عشر، وفي عهد ألفونسو السادس بالذات، نوضع الأسس الأولى، لنفوذ البابوية وسلطانها على اسبانيا والملوكية الإسبانية، وهو سلطان تأثل بمضي الزمن، وما زال يحتفظ حتى اليوم بكثير من رسوخه