وقوته. وقد توالت بعثات الكرسي الرسولي إلى الملوك الاسبان في هذا العهد، تسعى إلى فرض سيادته الروحية، وإلى إلغاء الطقوس القوطية المنسوبة للقديس إسيدورو واستبدالها بالطقوس الرومانية. وبذل دير ساهاجون البندكتي، ورئيسه الراهب برنار الفرنسي عندئذ، أعظم الجهود لتحقيق أغراض البابوية.
وقد سبق أن أشرنا إلى الدور الذي قامت به الملكة كونستانس زوجة ألفونسو الأولى، وهي فرنسية من بيت برجونية، في تأييد الراهب برنار واختياره مطراناً للكنيسة الإسبانية، عقب افتتاح طليطلة. وحصل برنار بعد ذلك على مرسوم بابوي بتعيينه في ذلك المنصب الخطير، ووضع في معظم الأسقفيات رجالا من مواطنيه، وملأ دير ساهاجون بالرهبان الفرنسيين، وذلك رغم مناوأة الأحبار الإسبان وسخطهم. وهكذا استطاعت البابوية أن تفرض رياستها الروحية على اسبانيا، وبالرغم من أن ألفونسو كان يعارض كثيراً من الرغبات البابوية، فإنه كان يجل الكرسي الرسولي ويوليه أعظم مقام.
وفي عهد ألفونسو أيضاً وقعت حوادث الحرب الصليبية الأولى بالمشرق، ولكن البابا أوربان الثاني أصدر مرسوماً يحرم على الإسبان أن يشتركوا في هذه الحرب الصليبية، لأن أعداء النصرانية، أعني المسلمين، يهددونهم داخل أرضهم، ولأن لديهم في شبه الجزيرة وقوداً كافياً لإضرام نار الحرب المقدسة، وكانت ظروف الحرب المستمرة بين النصارى والمسلمين، قد حملت رجال الدين أنفسهم على أن ينزلوا هذا الميدان، فكان شأنهم شأن الأشراف والكونتات يسيرون في معظم الأحيان مع الملك، ويقاتلون في الصفوف، بل ويقودون الحملات أحياناً.
وقد كان الملك وراثياً في قشتالة فقط. أما في باقي الممالك النصرانية، فكان المفروض أن يختار الأشراف مليكهم، وكان الملك في سائر الممالك الإسبانية، يجمع بين سلطات الحرب والسلم، وقيادة الجيوش، ورياسة القضاء، يعاونه في ذلك رهط من رجال الخاص Palatini، وكانت أسماء المناصب معظمها مشتق من النظم القوطية.
وكان نظام الإقطاع ما يزال عندئذ متغلغلا في تكوين المجتمع الإسباني، ويقوم على مراتب متعددة، أرفعها مرتبة الدوق أو الوالي، وهو الذي يُقطع