التي وضعت في بداية العهد المرابطي، من أنه " يجب أن يقطع ببلاد الإسلام ضرب النواقيس " وأنه نظراً لفساد أخلاق القساوسة، يجب أن يؤمروا بالزواج كما في ديار المشرق، ويجب ألا يترك في دار القسيس امرأة ولا عجوز ولا غيرها، كما يجب أن تمتنع النساء الإفرنجيات من الدخول إلى الكنيسة إلا في يوم فضل أو عيد، ويجب ألا يباع من اليهود أو النصارى كتاب علم إلا ما كان من شريعتهم، لأنهم يترجمون كتب العلوم، وينسبونها إلى أهلهم وأساقفتهم، وهي من تواليف المسلمين، كما يجب أن يمنع الأطباء اليهود أو النصارى من معالجة المسلمين (١).
فهذه الدعوات وأمثالها، إلى التشدد في معاملة المعاهدين، لم تكن إلاّ صدى لمواقفهم المتسمة بالعدوان والخيانة. وكانت تلقى في ظل الحكم المرابطي، المتسم بروح التزمت الديني قبولا. وقد بلغ اجتراء المعاهدين وخيانتهم ذروتها، حينما عملوا على استدعاء ألفونسو المحارب ملك أراجون، لغزو الأندلس، ووعدوه بأن ينضموا ألوفاً إلى جيشه متى اخترق الأندلس. وقام ألفونسو بالفعل بالغزوة المنشودة، فخرج من سرقسطة في سبتمبر سنة ١١٢٥ م (٥١٩ هـ)، في عهد أمير المسلمين علي بن يوسف، واخترق الأندلس، من الجانب الشرقي ماراً بقرب بلنسية ودانية ومرسية، وهو يعيث في بسائطها، والمعاهدون يحشدون في جيشه من كل صوب، واستمر في سيره حتى وادي آش، ووصل إلى ظاهر غرناطة في شهر يناير من العام التالي (١١٢٦ م)، ولكنه أدرك أنه لايستطيع أن ينال منها مأرباً. وهنالك بعث إلى زعيم المعاهدين بغرناطة يلومه لتقصيرهم في معاونته، فردوا عليه بأنه هو الذي أضاع الوقت في زحفه الطويل سدى، ثم أخذت القوات المرابطية بقيادة الأمير أبي الطاهر تميم تلاحقه وترهقه باستمرار، وهو يتجول بقواته في شمال غرناطة، ووقعت بينه وبين المرابطين في مارس (١١٢٦ م) في فحص الرنيسول موقعة هزم فيها المرابطون. بيد أنه لم يستطع الاستفادة من نصره، فاستمر في زحفه جنوباً، واخترق هضاب البشرّات حتى شاطىء البحر المتوسط، ثم عاد إلى الشمال، وقد خسر كثيراً من جنده بسبب الإعياء والوباء.
وكان من أثر هذا العدوان الجسيم، أن قرر أمير المسلمين، وفقاً لفتاوي