وأوسعناهم على ظهور المراكب، فخرجنا في مرسى الجزيرة الخضراء من دياره، وفقه الله، ففزع الناس من كل أفق إليهم، ووفدوا من كل قطر إليهم، متعجبين من هيأتهم، محتقرين لزيهم ونغماتهم، لا يروعهم منهم حاشى الخيل والدرق، وهم مع ذلك لا ينالون إلا بعد جف الريق ومسح العرق، وقدروا أنهم طعم للسيوف، وغرض للحتوف، وسعد للأرماح، ونهب للسلاح، فكل استصغرهم، والجميع منهم احتقرهم، وتبلغ إلينا أخبارهم وأقوالهم، وتنتهي إلينا أفعالهم، ثم اتبعناهم جيشاً بعد جيش، بخيول كالفحول، عليها الكهول، وعدد من كل أمرد، على أجرد، يتسابقون إلى اللقاء في الفضاء، تسابق الحين والقضاء. ومع هذا كله إن أهل الأندلس مستبشرون بنصرهم على أيدينا، وإزاحة غمتهم بسببنا، وعساكرنا تتزيد، وجوازنا يتأكد، وكان آخر من جاز منا ومعنا، قطعة من صنهاجة بني عمي، فعسر البحر حينئذ للجواز، واضطربت في الأمواج، فاستصرخنا الباري تعالى جده، وعظم اسمه، إن، كان في جوازنا خيرة للمسلمين أن يسهل علينا، فما استكملت من كلامي، حتى سهل الله المركب، وقرب المطلب. فخرجنا من الحين في مرسى الجزيرة الخضراء المذكورة، والتأم شعبتنا مع من جاز من عسكرنا، فعملنا على السير، وكان قد تقدم إلينا بالعدوة من قبل الأدفونش أمير النصارى رسالة يخاطبنا فيها بالجواز إلينا إذا عجزنا عنه، وفرقنا منه، نعطوه المراكب، ونسلموا إليه الشواني والقوارب، ليرد علينا ويقاتلنا في مأمننا، فلم نلتفت إليه، ولاعرجنا عليه. ووصلنا أيدينا بالريس الأجل المعتمد على الله المؤيد بنصر الله، واستوثقنا منه غاية الاستيثاق، وبنينا معه على اللحاق بهم، والورود عليهم، ونحن في ذلك كله لما نقل إلينا، وورد علينا من رؤساء الأندلس، مستبطئين سريرة المخبتِين، لابسين قسوة الصالحين، وقلوبنا شتى، حتى لحقنا إشبيلية حضرته، عمرت ببقايه، وقد تجمع له من جنوده أعداد، ومن حشمه وعبيده وخيله ورجله أجناد، فصرنا إلى مدينة بطليوس، وأقمنا بها أياماً منتظرين لوفد الرؤساء من جميع أقطار الأندلس، فأخبرنا وصح عندنا أن كل واحد منهم مشتغل مع قطعة كثيرة من النصارى، قد تغلبوهم على حصونهم، وأذلوهم في بلادهم، وأضعفوهم، وشجعوهم على مر ادهم، فحمدنا الله تعالى، ودعونا بتيسير المراد، واستنقاذ