سدوله، ولوا هاربين، وأسلموا رحايلهم صاغرين، فكم من دِلاص على البقاع ساقطة، وخيول على البقاع رابضة، ولقد ارتبط كل فارس منا الخمسة الأفراس أو أزيد. وأما البغال والحمير فأكثر من ذلك. وأما الثياب والمتاع فناهيك، والأسرة بأوطية الحرير، والثياب والأوبار عدد ليلهم، ولا يكلون في الانتقال، ولا يسئمون من شريط الأموال، ولحقوا قورية ومنها حيث ألقت رحلها أم قشعم، فصححنا ضمائرنا، وأخلصنا للمعتمد على الله نياتنا وسرايرنا، ورجعنا بحمد الله غانمين منصورين، لم يستشهد منا إلا الفرقة التي قدر الله عليها بذلك، وقدرنا أن الكل منهم هلك لقلة معرفتهم وجهالتهم بقتال النصارى، وتراميهم للشهادة، قدس الله أرواحهم، وكرم مثواهم وضريحهم، وجعل الجنة ميعاداً بيننا وبينهم، وفقدنا من أكابرنا نحو عشرين رجلا ممن شهدت نجدته في المغرب، وانقلبت خير منقلب. ولحقنا إشبيلية حضرته عمرت ببقايه، وأقمنا عنده أياماً، ورفعنا عنه مودعين لا تودع قاطع، ولا يمنعنا منه متى أحب مانع، ولحقنا الجزيرة الخضراء، ونحن نريد أشياء أسأل الله تمامها وإنجازها، وأن يسهل المراد ويوفقنا للسداد، ومتى تنفس منهم متنفس، وأرجح إلى أحدهم نفس، يذكرون ما لقوا، ويتذاكرون ما بقوا، وسنستدرجهم من حيث لا يعلمون، ولا وأملي لهم إن كيدي متين، حتى لا يبقى على أديم الأرض منهم حي، ولا يحس منهم أنسي. والحمد لله رب العالمين على ما قضى وخول وأعطى، وهذا كله منّاً منه علينا لا منّاً عليه، وصلى الله على محمد خاتم النبيين، وقائد الغر المحجلين إلى جنات الله النعيم، وآله الطيبين، وسلم تسليما، والسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته ".