بعض " فصول " الكتاب الذي بعث به أمير المسلمين يوسف بن تاشفين إلى بلاد العدوة عقب موقعة الزلاّقة.
(منقولة عن كتاب الأنيس المطرب بروض القرطاس - طبعة بسالة ص ٩٦ - ٩٨).
" أما بعد حمد الله، المتكفل بنصر أهل دينه الذي ارتضاه، والصلاة على سيدنا محمد أفضل رسله، وأكرم خلقه وأسره، فإن العدو الطاغية، لعنه الله، لما قربنا من حماه، وتوافقنا بإزائه، بلغناه الدعوة، وخيرناه بين الإسلام والجزية والحرب، فاختار الحرب، فوقع الاتفاق بيننا وبينه، على الملاقات في يوم الاثنين الخامس عشر لرجب، وقال الجمعة عيد المسلمين، والسبت عيد اليهود، وفي عسكرنا منهم خلق كثير، والأحد عيدنا نحن، فافترقنا على ذلك وأضمر اللعين خلاف ما شرطناه، وعلمنا أنهم أهل خدع، ونقض عهود، فأخذنا أهبة الحرب لهم، وجعلنا عليهم العيون، ليرفعوا إلينا أحوالهم، فأتتنا الأنباء في سحر يوم الجمعة الثاني عشر من رجب المذكور أن العدو قد قصد بجيوشه نحو المسلمين، يرا أنه قد اغتنم فرصته في ذلك الحين، فنبذت إليه أبطال المسلمين، وفرسان المجاهدين، فتغشته قبل أن يتغشاها، وتعدته قبل أن يتعداها، وانقضت جيوش المسلمين في جيوشهم انقضاض العقاب على عقيرته، ووثبت عليهم وثوب الأسد على فريسته، وقصدنا برايتنا السعيدة المنصورة في سائر المشهدة المنتشرة، ونظروا إلى جيوش لمتونة نحو ألفنش، فلما أبصر النصارى رايتنا المشتهدة المنتشرة، ونظروا إلى مواكبنا المنتظمة المظفرة، وأغشتهم بروق الصفاح، وأضلتهم سحائب الرماح، ونزلت بحوافر خيولهم رعود الطبول بذلك الفياح، فالتحم النصارى بطاغيتهم ألفنش، وحملوا على المسلمين حملة منكرة، فتلقاهم المرابطون بنيات خالصة، وهمم عالية، فعصفت ريح الحرب وركبت دائم السيوف والرماح بالطعن والضرب. وطاحت المهج، وأقبل سيل الدماء في هرج، ونزل من سماء الله على أوليائه النصر العزيز والفرج، وولى ألفنش مطعوناً في إحدى ركبتيه طعنة أفقدته إحدى ساقيه في خمس مائة فارس من ثمانين