للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كبير من أنصاره، وكان عقبة قد ولاه على أثر عزله، قيادة الجيش في الشمال، فلبث يتحين الفرص للخروج والثورة. فأسر عقبة وقتل، أو أسر حتى توفي، وانتزع ابن قطن ولاية الأندلس لنفسه، ووقع هذا الانقلاب سنة ١٢٢ هـ (١)، وقيل بل سنة ١٢٣. قال الرازي: " ثار أهل الأندلس بأميرهم عقبة في صفر سنة ثلاث وعشرين، في خلافة هشام بن عبد الملك، وولوا عليهم عبد الملك بن قطن ولايته الثانية، وكانت ولاية عقبة ستة أعوام وأربعة أشهر، وتوفي بقرمونة في صفر سنة ثلاث وعشرين واستقام الأمر لعبد الملك " (٢). وعلى أى حال فقد كان هذا الانقلاب بالنسبة للأندلس فاتحة عهد من الاضطراب والفتن والحرب الأهلية المتصلة كما سنرى.

ويجب لكي نعرف عوامل هذا الاضطراب، أن نعود إلى حوادث إفريقية قبل ذلك بثلاثة أعوام أو أربعة. ففي سنة ١١٦هـ عُين عبيد الله بن الحبحاب عامل مصر والياً لإفريقية، وقد بينا فيما سلف كيف كان البربر يضطرمون سخطاً على سادتهم العرب، وشرحنا طرفاً من عوامل هذا السخط، وبينا كيف أن دعوة الخوارج ذاعت بين البربر منذ أواخر القرن الأول، فأقبلو على اعتناقها لما تضمنت من مبادئ الحرية والديمقراطية، والحث على مقاتلة الغاصبين للرياسة والحكم. كذلك رأينا كيف استبسل البربر في الدفاع عن حرياتهم، وانقضوا على الفاتحين غير مرة، وحطموا سلطانهم، وفتكوا بقادتهم وجيوشهم، ولم يخضعوا لنير العرب إلا بعد كفاح رائع، استطال زهاء نصف قرن. ومع أن الأمر استتب للعرب آخر الأمر، واستطاعوا أن يفرضوا سلطانهم ودينهم على البربر، وأن يتخذوهم جندا لجيوش الخلافة في الغرب، فإن البربر لبثوا يعتبرون العرب أجانب غاصبين لحرياتهم، ولبثت القبائل البربرية القاصية، تضطرم دائما بنزعات الخروج والثورة. وكانت مثل هذه العواطف تحفز البربر في اسبانيا، إلى مخاصمة العرب والسخط عليهم والتربص بهم، خصوصاً لأنهم رغم قيامهم بمعظم أعباء الفتح، لم يفوزوا بكثير من مغانمه، واستأثر العرب دونهم بالسلطان والحكم. وفي ذلك يقول ابن خلدون: " ثم نبضت فيهم (أى البربر) عروق الخارجية


(١) البيان المغرب ج ٣ ص ٢٩.
(٢) المقري عن الرازي (نفح الطيب ج ١ ص ١١٠). راجع أيضا عن مصير عقبة، نفح الطيب ج ٢ ص ٥٨، وابن الأثير ج ٥ ص ٩٢، وابن خلدون ج ٤ ص ١١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>