للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فدانوا بها، ولقنوها من العرب الناقلة ممن سمعها بالعراق، وتعددت طوائفهم، وتشعبت طرقها من الإباضية والصفرية. وفشت هذه البدعة وعقدها رؤوس النفاق من العرب، وجرت إليهم الفتنة من البربر ذريعة الانتزاء على الأمر، فاختلوا في كل جهة، ودعوا إلى قائدهم طغام البربر، تتلون عليهم مذاهب كفرها، ويلبسون الحق بالباطل فيها، إلى أن رسخت فيهم عروق من غرائسها. ثم تطاول البربر إلى الفتك بأمر العرب " (١).

ويصف دوزي موقف البربر من العرب فيما يأتي: " اعتنق البربر سكان الأكواخ الحقيرة، كل التعاليم بحماسة لا توصف، ولا ريب أنهم لجهالتهم وسذاجتهم، لم يدركوا شيئاً من تضارب المذاهب ودقائقها، مما تدركه وتسيغه أذهان مستنيرة، فمن العبث إذاً أن نبحث عن أي الفرق كانوا يفضلون الانضمام إليها، وعما إذا كانوا من الحرورية أو الصفرية أو الإباضية، فقد اختلف الرواة في ذلك. ولكنهم كانوا يفقهون من المبادئ. ما يسمح لهم باعتناق المبادئ الثورية والديمقراطية، ومشاطرة الآمال الخيالية التي يذيعها فقهاؤهم في المساواة العامة، وما يقنعهم بأن ظالميهم كانوا آثمين نصيبهم النار. ولما كان الخلفاء منذ عثمان جميعاً غاصبين غير مؤمنين، فلم يكن جريمة أن يثوروا على المظالم الذي يسلبهم أراضيهم ونساءهم. فقد كان هذا حقاً بل كان واجباً. ولما كان العرب قد أبعدوهم عن السلطة، ولم يتركوا لهم إلا ما عجزوا عن أخذه منهم، أعني حكم القبائل، فقد اعتقدوا بسهولة أن نظرية سيادة الشعب، وهي نظرية يعتنقونها في ظل استقلالهم الوحشي منذ غابر العصور، إنما هي نظرية عريقة في الإسلام عريقة في الإيمان. وأن أقل بربري يمكن رفعه إلى العرش برأي الجماعة. وهكذا كان هذا الشعب الذي بولغ في ظلمه، يثيره متعصبون أنصاف فقهاء وأنصاف جند، وينزع إلى رفع هذا النير باسم الله وباسم النبي، وباسم هذا الكتاب المقدس (القرآن) الذي اعتمد عليه آخرون في إقامة الطغيان الرائع " (٢).

فلما ولي عبيد الله بن الحبحاب إفريقية، كانت القبائل البربرية تضطرم بعوامل الثورة ولاسيما في المغرب الأقصى، فسير عبيد الله إلى مواطن الثورة في قاصية المغرب جيشاً بقيادة حبيب بن أبي عبيدة الفهري، فأثخن في هاتيك الأنحاء ومزق


(١) ابن خلدون ج ٦ ص ١١٠.
(٢) Dozy: Hist.V.I. P. ١٤٩ - ١٥٠

<<  <  ج: ص:  >  >>