للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جموع الثائرين، وعاد مثقلا بالغنائم والسبي، وسادت السكينة حيناً في المغرب الأقصى. وسير ابن الحبحاب حبيباً في معظم قواته في غزوة بحرية إلى سردانية وصقلية، وعين ولده إسماعيل واليا للمغرب الأقصى. ولكن هذه السكينة كانت ظاهراً خلباً فقط، فقد كان البربر يتوقون إلى الانتقام ويرقبون الفرص. وكان إسماعيل يحفزهم ويثيرهم بعسفه وسوء تصرفه، وذاع فوق ذلك أنه ينوي أن يعتبر مسلمي البربر كالنصارى فيئاً وغنيمة، وأن يفرض الأخماس عليهم. فذكا الهياج واستفحل، وانتهز البربر فرصة غياب الجيش والقادة في صقلية، فأعلنوا الثورة والتفوا حول داعية من الخوارج الصفرية، وهو سقاء يدعى ميسرة المدغري، وانقضوا على طنجة وهزموا حاميتها، وقتلوا قائدهم عمر بن عبد الله، واستولوا عليها ودعوا لميسرة بالخلافة. ثم زحفوا على السوس وهزموا إسماعيل بن عبيد الله وقتلوه، فقويت جموعهم واستفحل شأنهم، وذاعت الدعوة الخارجية في قفار المغرب ذيوعاً كبيراً، واضطرب سلطان العرب في معظم النواحي. فسير ابن الحبحاب في الحال جيشاً إلى المغرب الأقصى بقيادة خالد بن حبيب، واستدعى حبيب بن أبي عبيدة وجيشه من صقلية، ووقعت بين خالد والبربر بقيادة ميسرة معارك شديدة غير حاسمة في ظاهر طنجة، تم ارتد ميسرة إلى طنجة حينا، واغتاله بعض أنصاره لأمور نقموها منه، وولوا مكانه خالد بن حميد الزناتي، وهو من بطون زناتة. فبرز لقتال العرب ثانية، ونشبت بين الفريقين في مكان يعرف بوادي سلف، معارك هائلة هزم فيها العرب، وقتل خالد بن حبيب وجماعة كبيرة من الزعماء والقادة، وسميت الموقعة لذلك بغزوة الأشراف (أوائل سنة ١٢٣هـ) (١).

فلما رأى هشام بن عبد الملك عجز ابن الحبحاب عن ضبط الأمور، استدعاه وأقاله، واعتزم أن يخمد ثورة البربر بأي الوسائل، فعين لولاية إفريقية كلثوم ابن عياض القشيري (٢)، وسيره إليها في جيش ضخم من عرب الشام، بقيادة ابن أخيه بَلْج بن بشر القشيري (جمادى الثانية سنة ١٢٣) واجتمعت إليه أثناء


(١) ابن عبد الحكم ص ٢١٧ و٢١٨؛ ابن الأثير ج ٥ ص ٧٠؛ وابن خلدون ج ٦ ص ١١٠
(٢) هكذا يسميه ابن الأثير (ج ٥ ص ٧٠)، وابن خلدون (ج ٦ ص ١١١)، والمقري (ج ٢ ص ٥٨) ولكن ابن عبد الحكم يسميه كلثوم بن عياض القيسي (ص ٢١٨). وكذا بشر ابن بلج فيسميه القيسي بدلا من القشيري (ص ٢١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>