للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسيره قوات أخرى من مصر وطرابلس، حتى بلغ جيشه زهاء سبعين ألفا (١). وكان حبيب بن أبي عبيدة قد وقف بجيشه في منتصف الطريق، مترددا لما رآه من استفحال أمر البربر، فاستوقفه كلثوم حتى يصل إليه. وكان حبيب وزعماء العرب في إفريقية، يتوجسون شرا من غلبة الشاميين، فاستقبلوا كلثوما وبَلْجا بفتور، وأبدى بلج بالأخص جفاء وخشونة في معاملة أهل القيروان، وثارت بينه وبين حبيب مناقشات عاصفة، وكاد الخلاف يضطرم بين الفريقين، ويرتد العرب لقتال بعضهم بعضا لولا أن غلبت الحكمة إزاء الخطر الداهم (٢). فسارت القوات المتحدة لقتال البربر، وسار البربر لقتالهم من طنجة في جموع زاخرة بقيادة خالد بن حميد الزناتي، ونشبت بين الفريقين على مقربة من طنجة في مكان يعرف بوادي سبسر، معارك هائلة كان النصر فيها حليف البربر، فمزق العرب للمرة الثالثة، وقتل كلثوم وحبيب وكثير من الزعماء والقادة (٣). وارتدت فلول العرب إلى القيروان، وفر بلج بن بشر ونفر من الزعماء، منهم ثعلبة بن سلامة الجذامي وعبد الرحمن بن حبيب في بقية من جند الشام إلى سبتة، فامتنعوا بها واستغاثوا بوالي الأندلس عبد الملك بن قطن، ووقعت هذه النكبة في أواخر سنة ١٢٣ أو أوائل سنة ١٢٤هـ (٧٤١ م).

عندئذ سير هشام بن عبد الملك والي مصر، حنظلة بن صفوان الكلبي واليا لإفريقية، فقدمها في ربيع الثاني سنة ١٢٤. وكانت دعوة الخوارج قد سرت أيضاً إلى إفريقية الوسطى، بعد أن خرج المغرب الأقصى من قبضة الخلافة، وثار البربر في كثير من النواحي. وخرج منهم في ناحية قابس زعيم يدعى عكاشة الفزاري. وخرج في غرب القيروان زعيم آخر هو عبد الواحد بن يزيد الهواري. فحشد حنظلة كل قواته، ولقي الفزاري أولا، وهزمه وبعد معركة عنيفة ومزق جموعه. ثم التقى بجيش عبد الواحد على مقربة من القيروان بمكان يعرف بالأصنام،


(١) المقري عن ابن حيان ج ٢ ص ٥٨.
(٢) ابن عبد الحكم (ص ٢١٩)، وابن الأثير (ج ٥ ص ٧٠) وراجع أيضا دوزي: Hist, V.I.p. ٢٤٥.
(٣) يتفق ابن عبد الحكم (ص ٢٢٠) وابن الأثير (ج ٥ ص٧١) وابن خلدون (ج ٦ ص ١١١)، على أن كلثوم بن عياض قتل في الموقعة، ولكن المقري يقول نقلا عن ابن حيان إنه فر مع بلج إلى سبتة، وعبر إلى الأندلس حيث توفي (ج ٢ ص ٥٨ - ٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>