ولم يمض قليل على ذلك، حتى توفي ابن هود في أوائل سنة ٦٣٥ هـ، وهو في إبان قوته وطموحه، وانهارت بوفاته أماني ومشاريع كثيرة، وفي العام التالي استطاع خايمي الأول أو الفاتح ملك أراجون، أن يستولي على بلنسية عاصمة الشرق (صفر سنة ٦٣٦ هـ - سبتمبر ١٢٣٨ م) وكان قد استولى قبل ذلك في سنة ٦٢٨ هـ على الجزائر الشرقية. وفي الوقت الذي أخذ يتوالى فيه سقوط القواعد الشرقية والوسطى، في أيدي النصارى، كان محمد بن الأحمر من جانبه، يعمل بكل ما وسع لبسط سلطانه على القواعد الجنوبية. وهكذا أضحت الأندلس مرة أخرى مسرحاً لغمار متوالية من الحوادث والفتن التي تمزق أوصالها، وتجعلها فريسة هينة لعدوها الخالد - إسبانيا النصرانية - ينتزع قواعدها وأراضيها تباعاً، ولا تجد وسيلة ناجعة لدفع هذا العدوان الجارف، بعد أن انهار سلطان الموحدين وقواهم بالأندلس، وبعد أن فقدت الأندلس منعتها ومواردها العسكرية القديمة، في ظل حكم الدولة الغالبة.
ولم تفق الأندلس من تلك المحنة الطاحنة، إلا وقد فقدت قواعدها الكبرى شرقاً وغرباً - قرطبة، وبلنسية، ومرسية، وشاطبة، ودانيه، وجيان، وإشبيلية وبطليوس، وماردة، وشلب، وغيرها وغيرها - وأضحت أنقاضاً متناثرة، تجتمع أشلاؤها الدامية في الجنوب، فيما وراء نهر الوادي الكبير، ولاح من خلال ذلك كله، أن ساعة الأندلس الأخيرة قد دنت، وأنه لم يبق على اسبانيا النصرانية إلا أن تجتني بقية تراثها الممزق، وأن تختتم هذه السلسلة من معارك " الإسترداد " " La Reconquista " العظيمة بضربة أخيرة، تكون هي القاضية على حياة اسبانيا المسلمة، لولا أن شاء القدر أن تلتئم هذه الأنقاض المتناثرة من تراث الأندلس الكبرى، وأن تبعث من بينها قوة فتية جديدة، تتمثل في قيام مملكة غرناطة، آخر دول الإسلام في الأندلس.
تلك هي الخطوط العريضة لصورة العصر، الذي نحاول أن نضطلع باستعراض أحداثه، وشرح ظروفه وخواصه، - عصر المرابطين والموحدين.