هنالك روايتان في ذلك. الأولى خلاصتها أن يوسف بن تاشفين لما كثرت فتوحه، وترامت أطراف مملكته، وكان يقتصر عندئذ على التسمى " بالأمير " اجتمعت إليه أشياخ لمتونة، وأعيان دولته، وقالوا له أنت خليفة الله في أرضه، وأن حقه يسمو على لقب الإمارة، واقترحوا عليه أن يتسمى " بأمير المؤمنين " فأبى واعتذر بأن هذا اللقب إنما يتسمى به خلفاء بني العباس، سلالة النبي، وأصحاب الحرمين، وأنه يعتبر في المغرب رجلهم والقائم بدعوتهم، ولكنه استجاب إليهم في التسمي " بأمير المسلمين " و " ناصر الدين " وكان ذلك في سنة ٤٦٦ هـ، وخُطب له بذلك في المنابر، وخوطب في العُدوتين، وخرج بذلك كتابه إلى النواحي، وهذا نصه بعد الديباجة:
" أما بعد حمد الله، أهل الحمد والشكر، ميسر اليسر، وواهب النصر، والصلاة على محمد المبعوث بنور الفرقان والذكر، وإنا كتبنا إليكم من حضرتنا بمراكش حرسها الله في نصف محرم سنة ستة وستين وأربعمائة، وأنه لما منّ الله علينا بالفتح الجسيم، وأسبغ علينا من أنعمه الظاهرة والباطنة، وهدانا وهداكم إلى شريعة نبينا محمد المصطفي الكريم، صلى الله عليه أفضل السلام، وأتم التسليم، رأينا أن نخصص أنفسنا بهذا الاسم، لنمتاز به على سائر أمراء القبائل، وهو أمير المسلمين وناصر الدين، فمن خطب الخطبة العلية السامية، فليخطبها بهذا الاسم إن شاء الله تعالى، والله ولي العدل، بمنه وكرمه، والسلام "(١).
ولكن هذه الرواية تعارضها رواية أخرى ربما كانت أكثر قبولا. ذلك أنه يوجد لدينا أكثر من نص يؤيد القول، بأن تلقب يوسف بن تاشفين بهذا اللقب، وقع عقب انتصاره في موقعة الزلاّقة، وهذا ما يوضحه لنا صاحب " روض القرطاس " إذ يقول، إن يوسف كان يُدعى أولا بالأمير، فلما فتح الأندلس وصنع غزاة الزلاّقة، وأذل الله تعالى بها ملك الروم، بايعه في ذلك اليوم أي عقب النصر، ملوك الأندلس وأمراؤها الذين شهدوا معه تلك الغزاة، وكانوا ثلاثة عشر ملكاً، وسلموا عليه " بأمير المسلمين ". وخرجت كتبه مصدرة عنه بذلك إلى
(١) هذه هي رواية صاحب الحلل الموشية ص ١٦ و ١٧، وكذلك ابن عذارى في البيان المغرب (الأوراق المخطوطة المشار إليها - هسبيرس ص ٦٠). وفي بعض الروايات المتأخرة أن يوسف بن تاشفين تسمى بالفعل بأمير المؤمنين وخطب له بهذا الاسم ولبنيه من بعده (المؤنس في أخبار إفريقية وتونس) لابن دينار ص ٩٩، وهي رواية ضعيفة.