للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العُدوة وبلاد الأندلس، فقرئت على المنابر، وفيها يخبرهم بما فتح الله عليه من النصر والظفر والفتح العظيم. ثم يزيد على ذلك بأن يوسف هو أول من تسمى بأمير المسلمين من ملوك المغرب (١). وهذه الرواية يؤيدها ابن الخطيب في الإحاطة إذ يقول لنا بإيجاز في ترجمة يوسف: " تسمى بأمير المسلمين لما احتل الأندلس، وأوقع بالروم وكان قبل يدعى الأمير يوسف " (٢). ونحن نرجح هذه الرواية الأخيرة لأنها أكثر اتفاقاً مع منطق الحوادث ودلالتها.

أما اعتراف يوسف بن تاشفين بطاعة الخليفة العباسي، فمسألة تتفق عليها معظم الروايات. ويقول ابن الأثير، وهو من أقدم مصادرنا في ذلك، إن يوسف بعد أن تم له افتتاح ممالك الطوائف، والاستيلاء على الأندلس، وعاد إلى حضرة ملكه مراكش، جمع الفقهاء وأحسن إليهم، فذكروا له أنه ينبغي أن تكون ولايته صادرة من الخليفة لتجب طاعته على الكافة، وأنه يجب أن يأتيه منه تقليد بحكمه للبلاد، ويُرجع ابن الأثير هذا النصح إلى علماء الأندلس خاصة، ويقول لنا إن يوسف أرسل على أثر ذلك إلى الخليفة المقتدي بأمر الله، فوافته الخلع والأعلام والتقليد، ولُقب بأمير المسلمين وناصر الدين. ومعنى ذلك أن يوسف تسمى بهذه الألقاب الملوكية، أو أنها خلعت عليه فقط حينما أتاه المرسوم أو التقليد العباسي بذلك. وفي ذلك تختلف رواية ابن الأثير عن باقي الروايات (٣).

ومن جهة أخرى فإن ذلك لابد أن يكون قد وقع قبل سنة ٤٨٧ هـ (١٠٩٤ م) وهي السنة التي توفي فيها الخليفة المقتدي بأمر الله. ويبدو من كلام صاحب " روض القرطاس " وابن الخطيب ما يؤيد ذلك، وأن صدور هذا التقليد العباسي ليوسف قد وقع عقب انتصار الزلاّقة (٤٧٩ هـ)، وأن يوسف قد ضرب السّكة عقب ذلك، وأصدر الدينار المرابطي الجديد وفي أحد وجهيه " لا إله إلا الله، محمد رسول الله " وتحت ذلك " أمير المسلمين يوسف بن تاشفين "، ونقش في مداره: " ومن يتبع غير الإسلام ديناً، فلن يقبل منه، وهو في الآخرة من الخاسرين " وكتب في الوجه الآخر " الإمام عبد الله أمير المؤمنين العباسي " (٤).


(١) روض القرطاس ص ٨٨، وراجع وفيات الأعيان لابن خلكان (بولاق) ج ٢ ص ٤٨٨.
(٢) الإحاطة في أخبار غرناطة، مخطوط الإسكوريال (رقم ١٦٧٣ الغزيري) لوحة ٣٩٣.
(٣) تاريخ ابن الاثير ج ١٠ ص ٥٢ و ١٤٥.
(٤) روض القرطاس ص ٨٨، وابن الخطيب في مخطوط الإحاطة السالف الذكر لوحة ٣٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>