للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أن ابن خلدون يقول لنا بالعكس إن يوسف قد كتب في شأن تقليده إلى الخليفة المستظهر بالله، ولد المقتدي بالله وخلفه، وأنه بعث إليه في ذلك الغرض سفارة على رأسها عبد الله بن محمد بن العربي المعافري الإشبيلي وولده القاضي أبو بكر وهو الحافظ الشهير فيما بعد " فتلطفا في القول، وأحسنا في الإبلاغ، وطلبا إلى الخليفة أن يعقد ليوسف على المغرب والأندلس " فصدر له عهده بذلك، وعاد السفيران يحملان التقليد بولاية يوسف على ما تحت نظره من الأقطار والأقاليم، وأذيعت محتويات هذا التقليد بين الناس. وكذلك كتب الإمام الغزالي، والقاضي الطرطوشي إلى يوسف يحضانه على العدل والتمسك بالخير، ويفتيانه في شأن ملوك الطوائف (١).

ولقد وقفنا نحن على ما يؤيد هذه الرواية الأخيرة - رواية ابن خلدون - تأييداً قاطعاً، وحصلنا على نص الرواية التي سجلها ابن العربي عن مهمته، وعن لقائه بالإمام الغزالي في بغداد، وما استصدره من الفتوى الخاصة بموقف يوسف من أمراء الطوائف، ومن الخلافة، كما حصلنا على النص الكامل للخطاب الذي كتبه الإمام الغزالي عن هذا الموضوع، إلى يوسف بن تاشفين، وحمله الفقيه ابن العربي معه عند عوده إلى الأندلس.

ونحن نعرف أولا أن الفقيه ابن العربي وولده أبا بكر، قد رحلا إلى المشرق في مهمتهما المذكورة في مستهل ربيع الأول سنة ٤٨٥ هـ، وإن كانت رحلتهما قد اتخذت يومئذ طابع السفر لطلب العلم (٢). وكان يوسف قد اشترك بعد الزلاّقة، مع أمراء الطوائف في حصار حصن لييط Alédo في سنة ٤٨١ هـ (١٠٨٨ م) وشهد عندئذ من تمردهم، ونفاقهم، وجنوحهم إلى ممالأة النصارى، ما أحفظه عليهم. ثم جاز جوازه الثالث إلى الأندلس في سنة ٤٨٣ هـ (١٠٩٠م)، وكان عندئذ قد اعتزم أمره في افتتاح ممالك الطوائف، وأخذ يستولي عليها تباعاً، وكان يهمه إلى جانب الحصول على المرسوم الخلافي، أن يحصل على سند شرعي يبرر تصرفه نحو أولئك الأمراء. فلما وصل الفقيه أبو محمد العربي وولده أبو بكر إلى بغداد، لقى الإمام أبا حامد الغزالي، قطب فقهاء المشرق يومئذ، وشرح له


(١) ابن خلدون - كتاب العبر - ج ٦ ص ١٨٨. وقد ورد في هذا النص أن يوسف خاطب " المستنصر العباسي ". ونحن نعتقد أن ذلك تحريف من الناسخ، وأن المقصود هو الخليفة المستظهر.
(٢) ابن بشكوال في " الصلة " في ترجمة ابن العربي رقم ١٢٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>