أحوال الأندلس، وخلال أمير المسلمين يوسف بن تاشفين، وما اضطلع به من أعمال الجهاد وإعزاز الدين، وما كان عليه ملوك الطوائف من تفرق وتخاذل، واستعداء للنصارى، وكيف تخلف بعضهم عن مشاركته في الجهاد مجاملة للمشركين.
فلما قام بحصار النصارى، عقب جوازه الثاني، في حصن لييط، تخلف بعض رؤساء الشرق عن معاونته، وقالوا إن طاعته ليست بواجبة لأنه ليس إماماً شرعياً من قريش. ووقف يوسف على رسالة وجهت من بعضهم إلى العدو، يشجعه على المقاومة والصمود، وكان جواب يوسف لأولئك الزعماء المتمردين، أنه خادم أمير المؤمنين المستظهر، وأن الخطبة تجري باسمه على أكثر من ألفي منبر، وتضرب السكة باسمه. وطلب الفقيه ابن العربي إلى الإمام الغزالي أن يزوده فيما تقدم بفتوى تبين حكم الشرع فيه، وأن يزوده بكتاب إلى أمير المسلمين. فأما الفتوى فقد جاء فيها " أن يوسف كان على حق في إظهار شعار الإمامة للخليفة المستظهر (١)، وأن هذا هو الواجب على كل ملك، استولى على قطر من أقطار المسلمين، وإذا نادى الملك المشمول بشعار الخلافة العباسية، وجبت طاعته على كل الرعايا والرؤساء، ومخالفته مخالفة للإمام، وكل من تمرد واستعصى، فحكمه حكم الباغي، ومن حق الأمير أن يرده بالسيف، وأن يقاتل الفئة المتمردة على طاعته، لاسيما وقد استنجدوا بالنصارى، وهم أعداء الله، في مقاتلة المسلمين، وهم أولياء الله، وأن يستمر في قتالهم حتى يعودوا إلى طاعة الأمير العادل، المتمسك بطاعة الخلافة العباسية، ومتى تركوا المخالفة، وجب الكف عنهم، وذلك عن المسلمين منهم دون النصارى. وأما ما يظفر به من أموالهم فمردود عليهم وعلى ورثتهم، وما يؤخذ من نسائهم وذراريهم في القتال مهدورة لا ضمان فيها، وحكمهم بالجملة في البغي على الأمير المتمسك بطاعة الخلافة، المستولى على المنابر والبلاد بقوة الشوكة، وحكم الباغي على نايب الإمام، فإنه وإن تأخر عنه صريح التقليد لاعتراض العوايق المانعة، من وصول المنشور بالتقليد، فهو نايب بحكم قرينة الحال، إذ يجب على إمام المصر أن يأذن لكل مسلم عادل، استولى
(١) عثرنا على نص رواية ابن العربي، وعلى نص فتوى الإمام الغزالي في المخطوط رقم ١٢٧٥ ك (المكتبة الكتانية) المحفوظ بخزانة الرباط وعنوانه " مجموع أوله كتاب الأنساب " (لوحة ١٢٨ و ١٢٩)، كما عثرنا فيه على نص كتاب الإمام الغزالي إلى يوسف بن تاشفين. ويبدو من ذكر الخليفة المستظهر في رواية ابن العربي وفي فتوى الغزالي أنهما يرجعان إلى سنة ٤٨٧ هـ، وقد تولى المستظهر الخلافة بعد وفاة أبيه المقتدي في ١٦ المحرم سنة ٤٨٧ هـ.