على قطر من أقطار الأرض، أن يخطب له، وينادي بشعاره، ويحمل الخلق على العدل والنصفة، ولا ينبغي أن يظن بالإمام توقف في الرضا بذلك والإذن فيه، وأن توقف في كتبه المنشور، فالكتب قد يعوق عن انشايها، وإيصالها المعاذير. وأما الإذن والرضى بعدما ظهر حال الأمر في العدل والسياسة، وابتغاء المصلحة للتفويض والتعيين، فلا رخصة في تركه، وقد ظهر حال هذا الأمير بالاستفاضة ظهوراً لا يشك فيه. وإن لم يكن عن إيصال الكتب وانشايه عايق، وكانت هذه الفتنة لا تنطفي، إلا بأن يصل إليهم صريح الإذن والتقليد بمنشور، مقرون بما جرت العادة بمثله في تقليد الأمراء، فيجب على حضرة الخلافة بذل ذلك، فإن الإمام الحق عاقلة الإسلام، ولا يحل له أن يترك في أقطار الأرض فتنة ثايرة، إلا ويسعى في إطفائها بكل ممكن ".
هذا هو نص فتوى الإمام الغزالي لابن العربي عن حكم الشرع في موقف ملوك الطوائف، حسبما شرحه ابن العربي للإمام، وعن حق يوسف في الحصول على المرسوم الخلافي بولايته على ما فتحه من الأقطار بسيفه. وقد عاد الإمام الغزالي بعد ذلك، فكتب إلى يوسف كتاباً يعرض فيه بالتفصيل إلى قصة ملوك الطوائف، حسبما رواها له ابن العربي، وإلى ما كانت عليه الأندلس في ظل حكمهم من التخاذل والذل، والصغار والهوان، وإلى استطالة النصارى عليها، لما كان يسودها من تفرق الكلمة واختلاف الرأي، حتى انتهى النصارى بأن رتبوا الجزية على المسلمين. ثم يشير إلى صريخ الطوائف إلى يوسف، وإلى جوازه البحر للجهاد، وإلى ما وفقه الله من دحض شوكة النصارى، وأنه حينما طلب يوسف إلى ملوك الطوائف أن يرفعوا المظالم عن المسلمين، عادوا فجنحوا إلى ممالأة النصارى، فسأله المسلمون عندئذ إنزالهم عن البلاد، فاستجاب لرغبتهم، ورفع المظالم وقطع الفساد، وينوه بما أبداه يوسف من العمل بأحكام الله، ومن إيثار العلماء والاستماع لرأيهم فيما يفتون إليه من الأحكام، ثم يشير بعد ذلك إلى ما أصدره من فتوى في شأن ملوك الطوائف، وإلى ما كان ابن العربي بصدده من السعى إلى استصدار المرسوم الخلافي بولاية يوسف على جميع بلاد المغرب، وتمكين طاعته، وإلى ما كان يبثه ابن العربي من دعاية واسعة للإشادة بحكم يوسف وخلاله، سواء في العراق أو في المشاهد الكريمة بأرض الحجاز. ولم يثبت الغزالي بخطابه تاريخاً معيناً، ولكن يبدو من نصه أنه كتبه قبل " مسيره إلى سفر