للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بهذا الفتح المرابطي من مظاهر العنف والقسوة، وبالرغم مما كان ينطوي عليه بالنسبة للأمة الأندلسية من معاني الافتئات والاغتصاب، وسيطرة القبائل البربرية على حريات الأندلس ومصايرها، فإنه كان أيضاً عمل إنقاذ لاشك فيه، وكانت سيطرة المرابطين على اسبانيا المسلمة في تلك الفترة العصيبة من حياتها، هي أوكد ضمان بصونها، والذود عنها، وحمايتها من عدوان اسبانيا النصرانية.

وهكذا استطاع يوسف في مدى نصف قرن أن يحقق وحدة المغرب، وأن يحقق وحدة الأندلس معاً، وأخيراً أن يحقق الوحدة بين الدولتين الإسلاميتين العظيمتين في ظل الدولة المرابطية الكبرى.

ولما توفي يوسف كانت هذه الدولة المرابطية الكبرى تمثل بشطريها - المغرب والأندلس - وفقاً لقول المؤرخ " مُلكاً مؤسساً، وجنداً مجنداً، وسلطاناً قاهراً ومالا وافراً " (١).

بيد أن هذه الدولة العظيمة بالرغم مما كان يبدو من توطدها وقوتها ورخائها، كانت تحمل في ثنيتها بعض عوامل الوهن الخفية، التي تسترها المظاهر الخادعة، وهي كانت تدين بوحدتها وقوتها قبل كل شىء إلى عبقرية مؤسسها العظيم. فلما اختفى يوسف من الميدان، فقدت الدولة المرابطية أعظم قادتها وحماتها: فقدت تلك اليد الموجهة المرشدة، التي كانت تقودها دائماً نحو التوطد والظفر، وتلك العقلية الراجحة، التي كانت تستشف الحوادث البعيدة من خلال الحجب، وتعمل على تداركها، وتوجيهها إلى الغاية المرغوبة.


(١) ابن الخطيب عن ابن عذارى في الإحاطة في ترجمة علي بن يوسف (مخطوط الإسكوريال السالف الذكر لوحة ٢٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>