الإسلامية في العصور الوسطى، هما المغرب والأندلس، وتمتد فيما بين تونس شرقاً، والمحيط الأطلنطي غرباً، وفيما بين نهر التاجُه في قلب اسبانيا شمالا، وبلاد السودان ونهر النيجر جنوباً. ويكفي لكي نقدر روعة المعجزة العسكرية والسياسية، التي حققتها عبقرية يوسف، أن نرتد نصف قرن فقط إلى ما قبل وفاته، وأن نلقي نظرة عابرة على ما كان عليه المغرب والأندلس يومئذ. فقد كان المغرب عندئذ فريسة لأشنع ضروب التفرق والفوضى، تتقاسم أقطاره وقواعده التالدة، عدة كبيرة من الزعامات القَبَلية، وتقوم فيه إمارات عديدة، متخاصمة متنابذة، وتجتاح الحروب الأهلية الصغيرة مروجه وبواديه، ويسود الفقر والاختلال والفوضى سائر نواحيه. وقد كان قيام المرابطين في جنوبي المغرب، وانتظامهم إلى قوة مصلحة غازية، في هذه الآونة، وسيرهم لافتتاح أقطار المغرب وقواعده، وظفرهم بالتغلب على إماراته وقواعده المتفرقة، وضمها تحت لوائهم في وحدة متماسكة ودولة موحدة، كان ذلك في الواقع عمل إنقاذ قومي من أعظم ما وقع في تاريخ المغرب. وقد اضطلع يوسف بن تاشفين في ذلك كله حسبما رأينا بأوفر نصيب. وكان له في تحقيقه أعظم الفضل. ولما قامت الدولة المرابطية الكبرى، تتوسطها عاصمتها العظيمة مراكش، وتوطدت دعائم الحكم المرابطي، ساد في المغرب نوع من النظام والأمن، لم يكن له به عهد منذ بعيد، وعم الرخاء، واستطاع الناس أن ينعموا بكثير من الاستقرار والهدوء.
ووقعت نفس المعجزة في الأندلس، فبعد أن لبثت زهاء نصف قرن، تعاني في ظل أمراء الطوائف، وفي ظل دولهم الضعيفة المتنابذة، مصائب التفرق، والحروب الأهلية المتوالية، وبعد أن استطال عليها النصارى ومالوا على دول الطوائف، فأذلوها واستباحوا حماها، واستصفوا أموالها، وبدأوا بانتزاع قواعدها، وبعد أن لاح لأهل الأندلس أن الآخرة قد دنت، وأنه لن يمضي سوى القليل، حتى تقضي اسبانيا النصرانية على دول الطوائف كلها، وتنتزع سائر قواعدها وأراضيها، وتسقط الأندلس كلها في يد العدو الخالد، وينطفيء نور الإسلام من تلك الديار العزيزة، بعد ذلك كله جاء جواز يوسف بن تاشفين وجيوشه المرابطية إلى الأندلس، نذير الإنقاذ، وانقشاع الخطر الداهم، وكُتبت لإسبانيا المسلمة حياة جديدة. ثم كان افتتاح المرابطين لدول الطوائف، وبسط سيادتهم على الأندلس، فرُدت إليها وحدتها الإقليمية القديمة، وبالرغم مما اقترن